تلك الذاكرة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ البارحة، وأصوات كثيرة، تتشابك أمامي عبر صور وأسماء، كأنها تأتي من أزمنة بعيدة، أعلم أنه لا مجال لأن تستعاد ثانية، منذ يومين وصوت فيروز يسكنني، يضج في ذاكرتي عبر حكايات وصور وأسماء ومواقف، الحفلات العديدة التي حضرتها لفيروز في دبي والشارقة والبحرين وبيروت، المرة الأولى التي وقفت طويلاً مصفقة وغير مصدقة أنني أنظر إلى هذه السيدة التي سكننا صوتها منذ مراهقتنا المبكرة، والمرة التي سافرت فيها إلى البحرين لأحضر حفلتها هناك عام 2000، ثم حفلتها في الجامعة الأمريكية بدبي والتي قطعت لأجلها علاجي في المانيا وعدت!

ووجدتني أتساءل: ماذا لو عاد بي الزمن إلى الوراء، إلى تلك الأيام، أكنت فعلت ما فعلت؟ فوجدتني أتمنى لو أنني حضرت حفلاتها في دمشق وعلى أدراج بعلبك وفي ألبرت هول في لندن!

هذه الذاكرة المخاتلة والحميمة والانتقائية التي تمتلك وحدها القدرة على صف تلك الأسماء والمناسبات والصور، القاعات، الفنادق، المطارات، والأصدقاء الذين سهلوا لي إمكانية الحصول على تذاكر الحفلات في الساعات الأخيرة، فحضرنا تلك الحفلات معاً ووقفنا مشدوهين أمام تلك السيدة التي تشبه قبضة الورد كما وصفها أحد الصحفيين الفرنسيين، لا شيء يتحرك فيها سوى كتفها الأيمن، بينما يأخذك صوتها إلى ما وراء النجوم. فتعرف أن ذاك زمن ذهب ولن يعود، لكنك كنت محظوظاً أن عشته كما ينبغي!

أتذكر المدرسة التي شهدت معرفتي الأولى بالدراسة، والتي تحولت مرآباً للسيارات، والحي الذي شهد طفولتي وأصبح اسماً مكتوباً على لوحة معدنية زرقاء مثبتة على غرفة محول كهرباء!

أتذكر جامعة العين التي ذهبنا إليها في الثمانينيات، وحيرة الاختيار بين التخصصات، والمقهى الأول، والسفر الأول، وكوب الكابتشينو الأول، وواشنطن لأول مرة في صيف 1990، وبيروت لأول مرة في ربيع عام 2000، ومكتبة أنطوان وفندق البريستول وشارع الحمرا ومبنى البرلمان اللبناني وقصر الرئاسة في بعبدا، ومزارع التفاح في بكفيا.. ولا تتوقف الذاكرة ولا شيء ينتهي!

Email