خفة الوجود الإنساني!

في روايته الأشهر «خفة الكائن التي لا تحتمل» يضع ميلان كونديرا تعريفاً للحب، مفاده «أن الحب هو حالة الشوق إلى نصف ذواتنا التي خسرنا»، أي أن كل بحث عن الحب هو بحث عن شيء افتقدناه في أنفسنا، وكل وقوع في الحب هو التئام بذلك الجزء من الذات، نحن إذن لا نكمل الآخر بذلك الحب، ولا هو يكتمل بنا، نحن في الحقيقة نكمل أنفسنا، ونعيد ترميم أنفسنا، وهذا فهم مغاير تماماً عن كل ما اعتادته سرديات الحب شعراً ونثراً وحكايات وأساطير، تلك السرديات التي تصور الحب باعتباره حالة تكامل مع الآخر واكتمال به، وكأن الإنسان كائن ناقص بالضرورة حتى يأتي آخر فيمنحه ذلك الاكتمال!

أن يعيد لك الحب اكتمالك يعني أنه يضعك على طريق استعادة كل ما سقط منك وأنت تمضي في هذه الحياة، مكتشفاً وباحثاً ومتعلماً ومجرباً، وكارهاً ومحباً، مصارعاً ومستسلماً.. ففي كل هذه الأحوال تتعرض إنسانيتك وروحك، أمنياتك وأحلامك، لكثير من الفقد والنحت والجرح والصدمات، لذلك كلما تقدم الإنسان خطوة يجد نفسه يتفقد نفسه، يعد خسائره وأرباحه، ويسأل: أين ذهب ذلك الإنسان الذي كنته؟ أين ذهبت البراءة والشغف والطيبة والجسارة و... ؟

في الحب أنت تشتاق لأن تلتئم وتكتمل مجدداً مع كل ذلك الذي فقدته، لذلك لطالما شعر كثيرون عند أول منعطفات الحب بأنهم يستعيدون صديقاً قديماً، ضاع منهم منذ زمن في طرقات الحياة، وها هم يعثرون عليه اليوم! الحب أشبه بإنسان يسير متعثراً في رمال الصحراء، وفجأة ترتطم أقدامه بجسم ما، فيتوقف مندهشاً، آملاً وممتلئاً بالبهجة!

يحتاج الأمر لكثير من الوقت لنعرف الحقيقة، فليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل من نرتبط به لفترة أو نعرفه بطريق الصدفة ونحبه يمكن أن يكون صديقاً أو يكون حبيباً لكل العمر، حتى وإن طال زمن العلاقة، لذلك يفترق الناس بسهولة أحياناً بعد ارتباط طويل، ليعثروا على أنصافهم الحقيقية، على ذواتهم المفتقدة، فلكل اكتشاف وقته، ولكل لقاء موعده المناسب!

الأكثر مشاركة