لماذا نحب السينما؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقفت عند تساؤل طرحه أحد الأصدقاء على صفحته في موقع فيسبوك: لماذا يهرب الناس للسينما دائماً؟ أو أظنه كتب: لماذا يجد الأشخاص الذين يعانون من الوحدة ضالتهم في السينما؟

تحوز السينما تقديراً عالياً في نفوس المهتمين بها نظراً لسطوتها وتأثيرها، ذلك أن الأمم التي تمتلك مفاتيح هذا الفن، تمتلك قوة نافذة ومسيطرة نستطيع تبينها من خلال نفوذ السينما الأمريكية والهندية والإيطالية....

والحقيقة أن السينما لا تنقل الواقع كما هو عبر الأفلام، لكنها تحاكيه عبر أدوات سحرية وخلابة جداً، فتصلنا رسائلها الصعبة دون كلمات، بل عبر أدوات كثيرة ومتداخلة تعمل معاً كالصورة والحركة والصوت والحوار والموسيقى والكلمات، ما يجعل السينما محببة وذات جاذبية وقدرة على التغلغل لأذهان وقلوب الملايين.

هذه هي خطورة السينما، قدرتها على النفاذ فينا دون عوائق، ودون أدوات التلقين المعتادة، فلا وعظ ونصائح مباشرة، ولا أوامر ونواهي، ولا قسوة وعناء... بل عبر صور تمر أمامنا حافلة بوجوه ممثلين نحبهم، ومناظر وحوارات عميقة نستمتع بها، وقضايا وحالات نتابعها بشغف.. ما يجعل عقولنا مستعدة لتقبل أي فكرة معروضة، أو على الأقل الانفتاح عليها ومناقشتها، وربما الإعجاب بها لاحقاً.

سؤال الصديق حول السينما، ترافق مع مشاهدتي لفيلم بعنوان «ملك وكتابة» لمحمود حميدة، يناقش الفيلم إشكالية الإنسان المسجون داخل خوفه، من خلال شخصية «محمود» أستاذ التمثيل المسرحي، الصارم جداً في تعامله مع كل شيء: زوجته وطلابه ووظيفته وطريقة أدائه وتدريسه، حتى تختل حياته بخيانة زوجته، فيترك كل شيء ويقرر أن يتغير، وما يغيره هو ممثلة ناشئة يلتقيها في مقهى!

يعبر الأستاذ محمود عن أزمته الوجودية في الحياة فيقول: «مشكلتي هي أن كل ما فعلته في حياتي كان بدافع الخوف، لكنني لم أعتبره خوفاً ولم أسمّه كذلك، فخوفي من التمثيل أسميته رسالة التدريس المقدسة، وخوفي من التعامل مع الدُنيا والتغيير أسميته نظاماً، ومشاعري المزيفة تجاه زوجتي أسميتها حُباً». كم شخصاً نعرفه يشبه محمود، وكم فينا، نحن أنفسنا، منه. كم نفشل، وكم نهرب، وكم نخاف.. هذه هي عظمة السينما، أن تواجهك بنفسك بسلاسة مؤلمة جداً!

Email