ما حدث في مصر وقبلها في تونس، من طي لصفحة الذل والهوان والارتهان للأميركي ومن خلفه الإسرائيلي، ومن عودة ميمونة إلى العروبة ومبادئها وقيمها وأخلاقياتها، يؤكد للمرة الألف أن عصر الشعب العربي قد بدأ، وأن لا مكان مرموقاً في دنيا العرب بعد الآن لنظام أو حاكم يتجاهل إرادة الشعب، ويفصّل السياسات والمواقف كما يريد الخارج، لا كما تقتضي الواجبات الوطنية والقومية، ولا كما تستدعي ضرورات مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة الأرض المحتلة والحقوق المغتصبة، وبناء التضامن والتكامل القادرين على النهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي على المستويين الوطني والقومي.
ما حدث يؤكد بالأدلة الدامغة أن لا مجال بعد الآن لتجاهل إرادة القواعد الشعبية العريضة، والاستهانة بقدرتها على الفعل، واستفزازها بعلاقات وتطبيعات مشينة مع العدو الإسرائيلي، ومساومتها على لقمة عيشها، فالكيل طفح، والأوضاع تغيرت إلى غير رجعة، ورياح العروبة والكرامة والمقاومة والممانعة تهبّ في كل الاتجاهات، ولا يستطيع أي متخاذل أو متآمر أو مرتهن الوقوف في وجهها.
لقد تحمّل المواطن العربي الهوان وشظف العيش حتى نفد صبره، ووجه من الإنذارات ما يكفي ويزيد، ووجد في النهاية أنه لا بد من الانتفاضات والثورات على هذا الواقع المهين، فكانت الانتفاضات والثورات، وكان النصر المؤزر على الطغاة الذين يرهنون بلادهم بمقدراتها وثرواتها للأميركي والإسرائيلي.
وبعد هذا الذي حدث ويحدث في مصر وتونس وغيرهما، يمكن تأكيد أن الجدار الإسرائيلي لمنع التضامن العربي قد هُدم، وأن الأوضاع باتت مهيأة لإقامة التضامن الفعلي بكل ما يعنيه، وأن كل من يقول غير ذلك صار من الماضي ولايزال يعيش أوهام الأنظمة والحكام الساقطين.
ولأن هذا الجدار الإسرائيلي قد هُدم بالفعل، فالأميركيون والإسرائيليون يتخبطون في سياسات ومواقف وردّات فعل غير متوازنة ولا متزنة، وترتد عليهم في نهاية المطاف لأنهم حسبوا كلّ شيء عدا هذه الثورات من أجل العروبة والكرامة ورفض الذل والهوان.
لذلك، وبما أن هذه الثورات واجب وطني وقومي، فالحذر الشديد واجب وطني وقومي كذلك، لأن أميركا وإسرائيل لن تستسلما لهذا الواقع العربي الجديد بالسهولة التي يظنها البعض، وخاصة أن هناك بين العرب من الأنظمة والمتنفذين من يحثهما ليل نهار على الدفاع عن حلفائهما، وهذا يحدث على الملأ أحيانا للأسف الشديد.