في الأساس تُشكَّل بعثات المراقبين وتقصي الحقائق للتأكد من جدية تنفيذ الأنظمة الحاكمة تعهداتها بالالتزام بتطبيق بنود الاتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان، من خبراء وناشطين في قضايا حقوق الإنسان والمهتمين بالدفاع عن السجناء السياسيين والمدافعين عن الكرامة الإنسانية.
ولهذا فقد استغرب العديد من متابعي الوضع في سوريا أن يغلب على تشكيلة بعثة المراقبين العرب المكلَّفة بمتابعة تنفيذ البروتوكول، الذي اتفق الأمين العام لجامعة الدول العربية مع النظام السوري على تطبيقه في سوريا، الطابع العسكري؛ حيث طغى الضباط على الحقوقيين والمهتمين بحقوق الإنسان في تكوين بعثة المراقبين العرب! والأدهى أن يكون رئيس البعثة ضابطاً مخضرماً، له باع طويل في قمع التحركات المطالبة بالحرية وحقوق الإنسان!
لا يُعرف كيف اختير الفريق أول محمد الدابي رئيساً للبعثة وهو صاحب تاريخ طويل في قيادة وحدات مكافحة الشغب والقوات العسكرية في دارفور وجبال النوبة؟! فالذي نعرفه أن الدابي رُشِّح من حكومة السودان، التي لا تُخفي تعاطفها مع نظام بشار الأسد، وأن الأمين العام لجامعة الدول العربية نصَّبه رئيساً للمراقبين العرب. أما النتيجة فهي معروفة؛ إذ جاء تقرير رئيس البعثة منحازاً تمام الانحياز للنظام الذي يتعاطف معه النظام الحاكم في بلاده، في حين غُيِّبت مشاهدات وملاحظات وتقارير المراقبين المختصين في مجالات حقوق الإنسان المتعددة.
الذي لا يعلمه الكثير من السوريين والعرب أن من بين المراقبين العرب الذين ذهبوا إلى سوريا، وشاهدوا فظائع ما ارتكبته قوات النظام العسكرية والأمنية، حقوقيين ومختصين وخبراء عرباً في مجالات حقوق الإنسان، وأن هؤلاء قد دوَّنوا وقدَّموا تقارير عدة، أثبتوا فيها مشاهداتهم عن انتهاكات النظام السوري وأجهزته القمعية. هؤلاء منهم أساتذة ودكاترة، ومنهم أعضاء في لجان المعتقلين وحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية لها حضورها، وتوجد في العديد من البلدان العربية، ومع هذا فإن تقاريرهم وما قدموه من شهادات مكتوبة وشفهية موثقة بصور (فيديو) وفوتوغرافية لم يأخذ بها الفريق الدابي! كما لم تتلفت لها الأمانة العامة للجامعة العربية! وإضافة إلى الإخلال بأمانة ومسؤولية جهاز الأمانة العامة للجامعة العربية، ومهمة رئيس بعثة المراقبين العرب، فإن هاتين الجهتين تُموَّل أعمالهما من الأموال العربية؛ لأنهم موظفون في منظمة عربية إقليمية؛ وهذا ما يجعلهما عرضة للمساءلة بل المحاكمة إذا ما قدّم الحقوقيون الأعضاء في بعثة المراقبين العرب دعاوى يطالبون فيها بالكشف عن تقاريرهم ومحاسبة من غيوبها. هؤلاء الحقوقيون هم الأقدر على نيل حقوقهم التي غيبها الدابي، وتستر عليها الأمين العام لجامعة الدول العربية بالتواطؤ مع من اختاره رئيساً للمراقبين العرب، الرئيس الذي تجاوز وأهان أساتذة وخبراء في مجالات حقوق الإنسان، وحوَّلهم من مدافعين عن حق الإنسان في الحياة إلى مجرد شهود زور، مثلما جاء في تقرير الفريق الدابي، الذي نقل خبراته الميدانية من دارفور وجبال النوبة إلى سوريا!