من الواضح أن لبنان الذي كان قد اختار سياسة النأي بالنفس في الأزمة السورية قد تورط فيها من الباب الواسع عبر نفق التفجيرات التي توالت خلال الأيام الماضية بدءًا بصيدا والضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، ووصلت إلى ذروتها أمس بتفجيرات طرابلس المزدوجة والتي راح ضحيتها 42 قتيلاً وأكثر من 500 جريح ولذلك فليس هناك وصف لهذه التطورات غير الفتنة" التي أطلت برأسها من جديد وأن الخروج منها مسؤولية الجميع وأن ذلك لن يتحقق إلا بالتخلي عن الخطاب التحريضي الذي ظل يطلقه عدد من القادة السياسيين خاصة الأمين العام لحزب الله الذي أكد انخراط الحزب في الأزمة السورية دفاعًا عن النظام.

إن خطر هذه التفجيرات يتعدى المناطق المستهدفة وإنه يستهدف أمن لبنان واستقراره لأن الهدف من التفجيرات ليس ضرب أهداف معينة وإنما جر لبنان إلى حرب أهلية جديدة وإدخال لبنان بجميع طوائفه وأحزابه وتياراته السياسية والدينية ليس في الأزمة السورية فحسب وإنما في أزمة لبنانية - لبنانية والاستفادة من فراغ عدم الثقة بين هذه الأطراف وتباعد مواقفها ولذلك فإن المطلوب ليس إدانة هذه الجريمة التي أطلت برأسها من جديد وإنما البحث عن أنجع الوسائل لوأد الفتنة في مهدها قبل أن يتلاشى لبنان بحرب أهلية جديدة توفرت حتى الآن بعض مقوماتها.

من المؤكد أن حريق سوريا الذي حاول لبنان الرسمي النأي عنه قد امتد لهيبه إلى لبنان وأن التفجيرات التي شهدتها طرابلس هي رسالة واضحة بأن الأمور تخطت جميع الخطوط الحمراء، الأمر الذي يتطلب المواجهة الصارمة قبل فوات الأوان وأن ذلك مرهون بالتطبيق الصارم لسياسة النأي بالنفس وعدم تورط أي جهة لبنانية في الأزمة السورية ولذلك فإن المطلوب من حزب الله مراجعة موقفه باعتبار أن انخراطه في الأزمة كطرف أساسي مساند للنظام هو المحرك الرئيسى للأوضاع الأمنية المضطربة التي يشهدها لبنان ومن بينها التفجيرات التي شهدها معقله في الضاحية أو التي شهدتها أمس طرابلس.

إن الأوضاع في لبنان معقدة وهشة ولا تتحمل أي هزة وإن هذه التفجيرات الإرهابية التي تستهدف الآمنين ترجمة للمخطط الإجرامي الذي يهدف لزرع بذور الفتنة بين اللبنانيين وجرهم إلى الاقتتال الداخلي تحت عناوين طائفية ومذهبية وإن المطلوب من قادة لبنان الانتباه لهذا المخطط الذي يستهدف وطنهم ككل في فتنة داخلية خاصة أن هناك متربصين كثراً بالمنطقة لا يهمهم سوى ضرب استقرار لبنان وضرب السلم الأهلي فيه.

من المهم أن يدرك قادة لبنان خطورة الأوضاع ببلادهم وأن هذه التفجيرات مقدمة فقط لما هو قادم أسوأ إذا لم يلتفت الجميع لإخراج لبنان من هذا المستنقع الذي سيقود إلى فتنة داخلية ومن ثم إلى حرب أهلية جديدة الجميع في غنى عنها ولذلك فإن هذه التفجيرات وما سبقها من تطورات أخرى مثل اختطاف رهائن وقصف مناطق من داخل لبنان واقتتال داخلي في طرابلس وصيدا، مؤشر لخطورة الأوضاع التي تتطلب توافقاً وطنياً يقوم على حماية السلم الأهلي بلبنان وإخراجه من هذا المستنقع الذي يهدده كدولة ووطن يسع الجميع.