في غمرة حملات الردح التي يتقنها البعض، وغياب المصداقية والموضوعية، وبروز الخلافات العربية التي تطل برأسها بقوة.. في ظل هذا المناخ اللاصحي تتعرض مواقف الأردن القومية الثابتة للتشويه والتحريف.
ومن هنا، وبوضع النقاط على الحروف لا بد من توضيح الحقائق لمن أصيب بعمى البصيرة قبل عمى البصر، وأهمها أن الأردن من أوائل الدول التي دعت لحل سياسي للازمة السورية على اعتبار ان الحلول العسكرية والأمنية لن تحل الأزمة، ولن تؤدي الى عودة الأمن والاستقرار الى ربوع القطر الشقيق ومن شأنها أيضا فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الاجنبية بعد انفجار الصراع المذهبي «سنة وشيعة» وعبور لهيب هذا الصراع الى دول الجوار.
لقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني من وحي مسؤولياته الأدبية والأخلاقية وإلانسانية والعربية على وضع الرئيسين الاميركي «اوباما» والروسي «بوتين» والاتحاد الاوروبي وكافة الدول المعنية في صورة رؤية الأردن لحل الأزمة سياسياً وضرورة العمل على تجاوز المعوقات من خلال مؤتمر جنيف كسبيل وحيد لإنقاذ سوريا الوطن والشعب من التقسيم واقامة الدويلات الطائفية المتناحرة المتقاتلة، والتي بدأت ترتسم على الأرض في الأفق السوري – مع الأسف الشديد – وانقاذ الشعب الشقيق من المأساة المدمرة التي تعصف به والموت المحقق الذي يلاحق أبناءه، وأدى حتى الآن الى موت اكثر من 120 الف انسان بريء، وتهجير خمسة ملايين انسان الى الداخل و دول الجوار، وقد تراجع المجتمع الدولي عن تعهداته.
وجاءت جريمة التفجير الكيماوي في غوطة دمشق الأربعاء الماضي، لتكشف عن عمق الفاجعة التي ألمت بالشعب الشقيق، ما يشكل ادانة بالغة للجميع معارضة ونظاما ودولا تساند هذا الطرف أو ذاك، ومجلس الأمن والمجتمع الدولي بكامله، الذي لم يقم حتى الآن بجهود حقيقية لإنقاذ الشعب الشقيق من الكارثة التي لحقت به، من خلال العمل على تبني حل سياسي يرضي الجميع ويؤدي الى وقف سفك الدماء، وطي صفحة الماضي، واقامة دولة مدنية حديثة.
إن الأردن من أوائل الدول المتضررة من استمرار الازمة السورية، وقد تجاوز عدد اللاجئين الذين عبروا الحدود -ولا يزالون - النصف مليون، ومن المتوقع أن يزداد الى الضعف في ظل اشتداد المعارك وتحويل الساحة السورية الى حرب باردة بين القوى الدولية المتصارعة.
وهذا بدوره أثر على البني التحتية و مستوى الخدمات، بخاصة في منطقة الشمال، وفي ظل عدم وفاء المجتمع الدولي والمنظمات المتخصصة بالإغاثة الوفاء بوعودها وارسال المساعدات للاردن، ليتمكن من الوفاء بالتزاماته الأخلاقية والانسانية وهو الذي يعاني من اوضاع اقتصادية قلقة، ادت الى عجز في الموازنة العامة للدولة ما أدى الى رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
من ناحية أخرى فإن للاردن الحق كل الحق في الحفاظ على حدوده، وحراسة أمنه الوطني والقومي في ظل المتغيرات التي تعصف بالقطر الشقيق والمنطقة عموما وتشي بتغييرات جذرية، شأنه شأن كل دول العالم التي مرت وتمر بهذا المخاض العسير، وبالتالي فإن عقد اجتماع لرؤساء اركان دول شقيقة وصديقة في عمان ليس موجها لأحد، ولا يرتبط بتداعيات التفجير الكيماوي الذي ضرب غوطة دمشق، فهومقرر قبل ذلك بشهور، ومن الطبيعي أن يبحث تداعيات الازمة السورية والاوضاع في المنطقة والتعاون العسكري بين الدول المشاركة.
مجمل القول: سيبقى الأردن متمسكا بمواقفه العربية ورؤية جلالة الملك السديدة التي تقوم على حل الأزمة السورية حلاً سياسياً، ولن يتخلى عن هذا الموقف وعن دوره الانساني والأخلاقي في استقبال اللاجئين وتقديم المساعدات اللازمة لهم، مع إصراره على الحفاظ على حدوده وأمنه الوطني والقومي.