يسجل لهذا الحمى العربي بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني سداد رؤيته، وتمسكه بالثوابت العربية، وإصراره على حل الأزمة السورية حلاً سياسياً، كبديل وحيد لإنقاذ القطر الشقيق من الكارثة التي تحيق به، والتي أدت حتى الآن الى موت أكثر من 120 الفاً وتشريد خمسة ملايين، وتشي بتقسيمه الى دويلات طائفية متناحرة ومتصارعة.

وفي هذا السياق، نقرأ تأكيدات رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، وتصريحات وزير الخارجية بأن الأردن لن يكون منطلقاً أو ممراً أو مشاركاً بأي عمل عسكري ضد سوريا، وأن الحل السياسي هو الحل الأمثل الذي استقر عليه الإجماع العربي، والكفيل بتحقيق تطلعات الشعب الشقيق من خلال الاتفاق على حكومة تحظى بموافقة جميع الفرقاء، تتولى قيادة المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات نيابية، ورئاسية كفيلة بالتأسيس لمرحلة جديدة.. تطوي صفحة الماضي المؤلمة، وتقيم دولة مدنية حديثة قائمة على العدالة والمساواة، والانتخابات النزيهة وتداول السلطة احتكاما لصناديق الاقتراع.

لقد حمل جلالة الملك هذه الرؤية إلى عواصم القرار في العالم كله، ودعا الرئيسين “أوباما” و”بوتين” خلال لقائه بهما إلى ضرورة تبني هذه الرؤية بعد فشل الحلول العسكرية والأمنية لتحقيق الوئام الوطني، والخروج من المأزق الذي وصلت إليه الأزمة، وينذر بحرب شرسة، عابرة للحدود بعد تفجير النزاع السني - الشيعي، ووصول كرات اللهب وإرهاب المفخخات إلى العراق ولبنان ومن المرشح ان تنتقل الى دول أخرى عربية وإسلامية.

إن محاولة البعض الزج باسم الأردن بعد اجتماع رؤساء الأركان لعشر دول شقيقة وصديقة على ارضه هو محاولة بائسة وبمثابة الصيد في المياه العكرة، فالأردن يرفض أن تكون أراضيه ممراً للتدخل في شؤون سوريا الشقيقة، وهو الدولة التي ترفض سياسة الخنادق والمحاور، والتدخل في شؤون الآخرين.

ومن جهة أخرى، علمتنا التجارب والأحداث أن التدخلات العسكرية لا تحقق السلام والوئام المنشود بين الفرقاء المتصارعين، ومن شأنها تعميق الخلافات، وهو ما يعيه الأردن جيداً، ويرفضه من حيث المبدأ، لأنه يسهم بتعقيد الأزمة وتدويلها، وخروجها عن السيطرة، وهو ما يحصل في بر الشام اليوم، والمرشح إلى التصاعد بعد أن أصبح ميداناً للتكفيريين، وساحة للحرب الباردة بين الدول الكبرى والإقليمية المتصارعة.

إن اعتراف الرئيس الأميركي وهو يبرر الضربة الأمريكية المتوقعة والمحدود، بأنها ليست بديلاً عن الحلول السياسية، يؤكد رفض الجميع للتدخلات العسكرية، ورفضهم للحرب من حيث المبدأ، ويؤكد بنفس الوقت صوابية رؤية الأردن بأنه لا بديل عن الحلول السياسية لإنقاذ القطر الشقيق من التقسيم وإنقاذ المنطقة كلها من حرب مفتوحة لا أحد يعلم متى تنتهي إذا ما تم إشعال شرارتها.

لقد تحمل  الأردن عبئاً كبيراً إزاء مواقفه الواضحة والصريحة، ورفضه التدخل العسكري، وبقيت ذراعاه مفتوحتين لاستقبال الأشقاء ممن هربوا من الموت طلباً للحياة، وقد تجاوز عددهم النصف مليون لاجئ، ومن المرشح أن يتضاعف العدد في ضوء الحرب الشرسة المتصاعدة، رغم عدم قيام المجتمع الدولي والمنظمات المتخصصة بواجباتها بتقديم الدعم المادي المطلوب، ليتسنى له القيام بالمهمات الإنسانية المنوطة به، وتوفير المستلزمات المعيشية للأشقاء علّها تخفف من معاناتهم الطويلة.. وقلقهم الإنساني المتعاظم.

مجمل القول: لن يشارك الأردن بأي عمل عسكري ضد سوريا، ولن تكون الأراضي الأردنية ممراً للعدوان على القطر الشقيق، وسيبقى هذا الحمى العربي بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني متمسكا برؤيته وموقفه بأنه لا بديل عن الحل السياسي لحل الأزمة السورية.. بعد ثبوت فشل التدخل العسكري بتحقيق الوفاق الوطني في أكثر من قطر.

“فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.صدق الله العظيم.