لم يعد خافياً أن الحلول السياسية بدأت تسابق التحشيد الأميركي لضرب سوريا الشقيقة، وأن بصيصاً من الأمل بدأ يظهر في آخر النفق، متمثلاً بعدد من الوقائع أبرزها - في تقديرنا -  رفض الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية الحرب على سوريا كما تشير الاستطلاعات، بخاصة أن مجلس الأمن لم يوافق على هذه الحرب، وأن تجريم أوباما وحليفيه الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا للنظام السوري، واتهامه بأنه هو من قام بالتفجير الكيماوي في الغوطتين، قد تم قبل أن تنجز لجنة التحقيق الدولية تقريرها.

وفي هذا السياق، فشل الرئيس الأميركي بتشكيل تحالف دولي في حين استطاع الرئيس الأسبق بوش تشكيل تحالف كبير ضد العراق في حرب الخليج الأولى 1991، وجاءت وقائع ونتائج قمة العشرين لتزيد في إحباط “أوباما” بعد أن أعلنت تسع دول وفي مقدمتها الصين والهند واندونيسيا أكبر دولة إسلامية رفضها لهذه الحرب، داعين الى انتظار نتائج التحقيق.

هذا المناخ الرافض للحرب هو الذي أملى على الرئيس الفرنسي الانتظار حتى تنجز اللجنة الدولية تقريرها المرتقب، في ضوء الانتقادات الشديدة التي وجهها أعضاء مجلس الشعب الفرنسي للرئيس بعد موافقته على المشاركة في الحرب مع واشنطن، وقد سبقه الى ذلك مجلس العموم البريطاني الذي رفض المشاركة، ما اضطر رئيس الوزراء كاميرون الى الإعلان عن تراجع الحكومة عن المشاركة احتراماً لإرادة الشعب البريطاني، كما جسّدها أعضاء مجلس العموم.

الوقائع التي تلت هذه الأحداث، وفي مقدمتها تأجيل تصويت الكونجرس لمدة اسبوعين، ضاعفت من جرعة الأمل بأننا إزاء توجهات وحلول سياسية لنزع فتيل الانفجار، وقد توجت بإعلان وزير خارجية اميركا جون كيري “بأن أميركا مستعدة لإلغاء الضربة اذا وافقت دمشق على تجريدها من الأسلحة الكيماوية” وهو يعني أن هناك مفاوضات جارية تحت الطاولة لإيجاد مخرج لهذا الوضع الخطير الذي يهدد السلم العالمي، وينذر بحرب إقليمية لا تبقي ولا تذر.. وهو ما رجحته زيارة وزير خارجية سوريا وليد المعلم إلى موسكو, وما تسرب من أخبار عن مناقشة وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت المراقبة الدولية وبمشاركة روسيا حليفة النظام السوري كمقدمة لإلغاء الضربة، وعقد مؤتمر جنيف.

إن استعراض هذه الوقائع والأحداث يؤكد أن سمة التردد هي التي تطبع موقف الرئيس “أوباما” وان أسباب هذا التردد كثيرة، لكن أهمها رفض الشعب الأميركي لهذه الحرب، وعدم موافقة مجلس الأمن عليها، اضافة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعتصر المواطن الأميركي، وتعهد “اوباما” خلال حفل تنصيبه بعدم مشاركة أميركا في أية حرب قادمة، بعدما انهكت الحروب الشعب الأميركي وعلى مدى أكثر من مائة عام، بدءاً من مشاركته في الحرب العالمية الأولى وحتى الآن.

لا نعلم هل يوافق الكونجرس على تفويض الرئيس بشن حرب على سوريا، أم يرفض زج اميركا في حرب غير متأكد من نتائجها وتداعياتها الخطيرة على مصالح واشنطن، ومصالح اصدقائها وفي مقدمتهم اسرائيل التي اعلنت حالة التأهب تحسباً من أية طارئ وخوفا من وصول صواريخ حلفاء الأسد الى مرافقها الحيوية.

مجمل القول: إن تأخير الضربة الأميركية لسوريا يشي بإجراء مفاوضات تحت الطاولة وإمكانية نزع فتيل هذه الحرب، والعودة إلى الحلول السياسية لإنقاذ السلم العالمي والمنطقة من حرب مدمرة لا يعرف أحد متى تنتهي.

نأمل أن يتغلب العقل والمنطق والحكمة على أصحاب دعاوى الحرب، وأن يقبل الجميع على مؤتمر جنيف 2، كسبيل وحيد للخروج من النفق السوري المظلم، الذي يكاد يلقي بالجميع إلى الهاوية.