يبدو أن روسيا حققت الكثير مما تصبو إليه في سورية. نجح الروس في إقناع الأميركيين بإعطاء النظام السوري مهلة محددة لعرض أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية. نظام بشار قبل تلك المبادرة بالطبع، فقد سبق له استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضد شعبه الأعزل مرات متعددة، مع أنهم ليسوا في حاجة إليها، هذه التسوية الروسية تمنح النظام السوري فرصة أخرى لمواصلة حمام الدم، والذي لم يتوقف منذ أكثر من عامين.
إشكالية الأزمة السورية تكمن في الانقسام الدولي حول إسقاط نظام الأسد، المعسكر الغربي وفي مقدمته الأميركيون ليسوا متحمسين لإسقاط النظام، يعود ذلك لسببين: المعارضة الروسية الشرسة، وتعذر إيجاد البدائل الملائمة لهم ولإسرائيل عن هذا النظام الوحشي، لذا كانت هذه التسوية المخجلة للمجتمع الدولي، والتي على إثرها سيؤجل الكونجرس الأميركي التصويت على التدخل العسكري الأميركي إلى الأسبوع المقبل.
بالأمس اجتمع وزراء خارجية دول الخليج في جدة. وأيدوا بالإجماع التدخل العسكري لإنقاذ الشعب السوري؛ لأن خيار القوة هو الحل الوحيد في الوقت الراهن. ما فائدة كل هذه التسويات إن لم يسقط النظام الأسدي؟ ستستأنف الطائرات والمدرعات السورية عمليات التصفية بحق كل شرائح الشعب السوري؛ لأن دول الخليج تريد القول: إن آلة القتل السورية ستستمر، سواء بالكيماوي أو بدونه. الشعب السوري هو من سيدفع ثمن هذه المراوغة السياسية من روسيا والغرب. هذا الثمن هو المزيد من دماء الأطفال والشيوخ والنساء والمدنيين العزل، وارتفاع أعداد النازحين إلى دول الجوار، وترك الفرصة لحلفاء بشار من أجل إشعال المنطقة. وهو ما ينبئ باحتمال فشل مؤتمر جنيف المقبل، وإذا ما فشل في تنحية النظام السوري، فإن فرص التدخل العسكري سيتضاءل؛ لأنه لم تعد هناك خطوط حمراء تستوجب الضربة العسكرية، لتدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة أسوأ من سابقاتها.
الموقف الخليجي كان منطقيا وصائبا، فإسقاط النظام هو الأولوية التي ينبغي العمل عليها الآن، وبعد ذلك سيتسنى للمجتمع الدولي دعم الائتلاف السوري، في مرحلة انتقالية لها ظروفها التي لا يمكن الحديث عنها بينما النظام يواصل سفك الدماء.