أضاء جلالة الملك عبدالله الثاني العديد من المرتكزات المهمة لعملية الاصلاح، التي ميزت التجربة الاردنية، وجعلتها نموذجاً فريداً يستحق من العالم أجمع الدعم والمساندة، وفي مقدمة هذه المرتكزات: التغيير التدريجي والتوافقي والاعتدال والتعددية واحترام الآخرين، والتي تمثل أركان التقدم والتطور والأمن والاستقرار، وهي قيم يتميز بها الاردن، وكانت السبب الرئيس في نجاح تجربة الاصلاح، في الوقت الذي تعثرت فيه تجارب دول أخرى اخذت نهج حرق المراحل.
جلالة الملك، وهو يستعرض مرتكزات مسيرة الاصلاح الناجحة في مقاله المنشور في مجلة “وورلد بوليسي جورنال الاميركية” بعنوان: التعددية والوحدة الوطنية العمود الفقري لأمن الأردن.. اكد بأن نهج الاصلاح مستمر لا رجعة عنه، فهو السبيل الوحيد للخروج من المأزق الذي وصلت اليه البلاد، وهو الكفيل بدفع الاردن الى اللحاق بالدول المتقدمة التي سبقتنا في مجال الديمقراطية والتعددية والاصلاح والتطوير.
وفي هذا الصدد، اشار بكل وضوح الى ان الهدف الرئيس من الاصلاح السياسي هو اقامة حكومة برلمانية فاعلة، تحت مظلة الملكية الدستورية الجامعة والنظام السياسي النيابي المرتكز على الدستور، مشيراً الى اهم متطلبات قيام هذه الحكومة، وفي مقدمة ذلك قيام الاحزاب ذات الامتدادات الوطنية القادرة على وضع البرامج، واعداد حملات برلمانية مبنية على قضايا ومواضيع عامة بغية الفوز بالاصوات، وان تتشكل كتل برلمانية على أسس حزبية، وان تكون الاحزاب قادرة على تطبيق برامج يحاسبها الناخبون على اساسها.
جلالة الملك، أضاء اسباب تعثر وتباطؤ مسيرة الاصلاح عام 2011، وفي مقدمة ذلك الازمة الاقتصادية العالمية، وايثار الاغلبية الصمت، وكان الربيع العربي هو الذي دق الجرس منبهاً الى اهمية التغيير والاستمرار في عملية الاصلاح وضرورة التغلب على المصاعب التي تعترض المسيرة، وهذا ما شجع جلالته على بدء الحوار مع كافة الفعاليات والوصول الى وفاق وطني ادى الى تغيير ثلث مواد الدستور، ما افضى الى انشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات، واجراء انتخابات نيابية مثلت مرحلة جديدة في الحياة السياسية بنزاهتها وشفافيتها، واقبال المواطنين على المشاركة بنسبة فاقت الانتخابات السابقة، واضطلاع المجلس النيابي ولاول مرة في تاريخه بدور المشاورات في اختيار رئيس للوزراء، واعضاء الحكومة.
لقد لمس جلالة الملك من خلال تجربته العملية وقيادته لمسيرة الاصلاح، ان نجاح هذه المسيرة يتطلب تحقيق التحول الديمقراطي، وبناء ثقافة ديمقراطية، وهذا ما ركز عليه في اوراقه النقاشية الاربعة التي تضمنت رؤيته لانجاح المسيرة والعبور الى المستقبل الواعد.
ومن هنا فهو مصمم على اطلاق حوار عام حول الخطوات المستقبلية، وتعزيز ضوابط الفصل بين السلطات الثلاث بهدف حماية التعددية، وجعل العمل السياسي متاحاً امام الجميع، وتطوير الجهاز الحكومي من اجل دعم الانتقال التدريجي نحو نظام حكومي برلماني مكتمل العناصر، وتدعيم مستوى الثقة الشعبية في المؤسسات العامة ولهذه الغاية تم تشكيل لجنة للنزاهة الوطنية، واخرى لتقييم التخاصية، واجراءات للقضاء المستعجل للنظر في قضايا الفساد، وبما يضمن ان تأخذ العدالة مجراها، وقبل ذلك وبعده ضمان مشاركة المواطنين، باعتبار ذلك هو المؤشر على نجاح هذه العملية.
مجمل القول: جلالة الملك وهو يعلن الاستمرار في الاصلاح التدريجي والاصرار على تجذير التحول الديمقراطي لانجاح التجربة الاردنية الفذة، لتصبح نموذجا يحتذى في العالم، وفي هذه المنطقة التي تمور بالزلازل والفتن، دعا الى دعم الاردن اقتصاديا ليقوى على القيام بواجباته في تخفيف المعاناة عن الاشقاء السوريين والذين تجاوز عددهم النصف مليون لاجىء والى حل الازمة السورية حلاً سلمياً لانقاذ القطر الشقيق من كارثة محققة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة لانهاء معاناة الشعب الفلسطيني.. مما يوفر الامن والاستقرار للاقليم كله، ويجعل من نجاح التجربة ممكناً، وقد تحررت المنطقة من الارتهان للاحتلال والارهاب الصهيوني.