رائعة الاتحاد .. قصيدةٌ في مجد الوطن

كل يوم يمرْ يِقوى الإتحادْ

لي بنوه أهلْ العزوم الغانمين

بهذا البيت البديع الثمين افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، قصيدته الجزلة الجليلة (عيد الاتحاد) التي نشرها على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي احتفاءً بذكرى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة وتجديداً للعهد مع أولئك الفرسان الذين نذروا أنفسهم لبناء هذه الدولة الزاهرة السعيدة بعد أن ندبهم إلى ذلك، وشحذ هِمَمهم لاعتلاء أعلى المراتب فارسٌ قادمٌ من قلب الصحراء، وحكيمٌ شجاع عزّ نظيره بين الرجال هو طيب الذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، ورافع بنيان الاتحاد، فلبّى حكام الإمارات النبلاء هذا النداء النابع من قلب فيّاضٍ بالحب والصفاء والرغبة الصادقة في أن يكون لهذه البلاد شأن وأي شأن، وكان من أشدهم حماسة وأكثرهم مؤازرة وتأييداً لأفكار الشيخ زايد هو طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي آنذاك، الذي وضع يده الأمينة بيد ذلك الفارس الشجاع، وتعاهدا على تحقيق هذا الهدف الكبير النبيل في وقت كان يشهد فيه العالم العربي على وجه الخصوص أشد أنواع الصراع على كراسي الحكم من خلال أحداثٍ مؤسفة أدت إلى ضياع البلاد وتشتيت شمل المُقدّرات وتبديد آمال العباد.

كل يوم يمرّ يقوى الإتحاد

لي بنوه أهل العزوم الغانمين

وراية الأمجاد مرفوعهْ بحِياد

في السما يِحمي حِماها المخلصين

قصّة بناء الدولة، ومسيرة بناء الاتحاد قصة مغروسة في أعمق نقطة من وجدان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهو واحد من صُنّاع تلك اللحظة التاريخية الفاصلة في مسيرة الوطن، ومن طالع سيرته الذاتية الرائعة (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) لمس عمق الحضور لهذا الحدث الكبير في قلب صاحب السمو وعقله ووجدانه، حيث عقد فصولاً كثيرة تتحدث عن التفاصيل الدقيقة والهواجس المقلقة التي كانت تكتنف تلك المرحلة الحاسمة خوفاً من إخفاق هذا الحلم الكبير الذي راود البناة المؤسسين، رحمهم الله، وفي طليعتهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي كان علامة فارقة في تاريخ تشكيل الدول، واستطاع بتوفيق الله تعالى له وبإصراره النادر وعزيمته الماضية وبصيرته النافذة وكلمته المسموعة أن يبني وطناً متّحداً يقوم على العدالة والعمل واحترام الإنسان والاستثمار الذكي بمقدراته قبل أي استثمار، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي عايش تلك المرحلة بقلبه وعقله وروحه هو الذي يعرف طبيعة هذه المسيرة ويؤكد أن كل يوم يمر على هذه الدولة هو إضافة تزداد بها قوة وتظل به وفية لأولئك الرجال أصحاب العزيمة الغانمين الذين ضربوا أروع الأمثلة حين اختاروا الوحدة على الفرقة، والتفت سواعدهم القوية حول راية الاتحاد التي ما زالت مرفوعة تحكي مجد الوطن، وتعانق السماء شامخة يحميها الرجال المخلصون الذي قال فيهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مفتخراً بسواعدهم القوية وهم يرفعون علم بلادهم:

العلَم لي كان زايد رافعنّه

هو أمانتنا نعيش ونرفعه

بالدما له نفتدي ونذود عنّه

وفي القلوب وفي المشاعر نزرعنّه

وها هو صاحب السمو وبعد ثلاثة وخمسين عاماً ما زال قابضاً على جمر الوفاء لذلك العَلَم الشامخ الذي رفعه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، تعبيراً عن وحدة القلوب تحت سارية العز والمجد والفخار.

إبتدتْ في كفّ زايد باعتماد

وانتهتْ في كفّ وضاح الجبين

نعم بو خالد لها في الرفع زادْ

لينْ صارت في حِما أقوى يمين

إن قصة علَم الإمارات هي قصة الدولة، وإن البطل الحقيقي الذي حمل هذا المشروع العظيم وأطلق الرغبة الجامحة في تحقيقه هو الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، فهناك كانت البداية، وبساعده القوي تم رفع العلم يعاضده في ذلك فرسان الوطن من حُكام الإمارات الأماجد الذين رأوا في الوحدة الوطنية نموذجاً يُحتذى، وإنجازاً يقتدى به، فكانت البداية المظفرة بيد هذا الفارس الميمون، ثم ما زال هذا المجد ينتقل من فارس إلى فارس حتى صارت راية الوطن في يد صقر البلاد والقائد الأعلى للجيش رجل المواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فكان خير خلف لخير سلف، وما ازدادت البلاد في عهده إلا رفعة وتقدماً وشموخاً، وما ازداد هذا العلَم إلا تحليقاً في الأعالي، حين حمله بيده القوية الأمينة، ليظل خفاقاً يحكي قصة هذا الوطن الذي قام على البذل والتضحية والعمل الدؤوب في سبيل التقدم والازدهار.

دولتي بالعدل مشهوره وكادْ

شعبها أسعد شعوب العالمين

دينها الإسلام في طيب اعتقاد

من بدايات الرساله مسلمين

في هذا المقطع من هذه القصيدة الفاخرة يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عمق الانتماء لهذا الوطن حين يُضيف الدولة إلى نفسه فيقول «دولتي» تعبيراً عن الالتحام الصادق العميق بين قلبه ووطنه، منوهاً بقيمة العدل السامية التي قامت عليها دولة الإمارات وما زالت تتخذها نهجاً لا تحيد عنه لأنها تعلم أن العدالة هي سبب كل خير، وأن الظلم هو سبب كل فساد وخراب واندثار، وقد انعكس ذلك كله على سعادة شعب الإمارات الذي يحظى بحياة كريمة يغبطها عليه كثير من شعوب العالم المتمدن، فقد نهضت البلاد بالإنسان في جميع مسارات الحياة، وعمّقتْ إحساسه بكرامته الوطنية من خلال هذا الاهتمام الصادق الذي تعطيه الدولة لجميع مواطنيها، وتقدم لهم نموذجاً متفرداً في الرعاية الشاملة على جميع المستويات بحيث غدت دولة الإمارات واحدة من أرقى دول العالم ضمن مستويات التقييم العالمية، مستلهمة جميع ذلك من تعاليم دينها الإسلامي السمح الذي اتخذته منطلقاً وهادياً لها في هذه الحياة، حيث ينعم هذا الشعب بنمط متسامح من التدين الذي يجمع بين حسنات الدين والدنيا بعيداً عن التعصب والانغلاق والجمود والتطرف.

ونهجها واضح ما تهوى الإنفراد

دوم تهوى وحدة الصف الرصين

العمل فيها مقدّس وبرشاد

قادها محمّد إلى الركن الركين

ولا يختلف اثنان على أن دولة الإمارات ومنذ تأسيسها كانت دولة ساعية في وحدة العرب ولمّ شمل المسلمين، وكان الشيخ زايد، رحمه الله، محل تقدير واحترام جميع الشعوب العربية والإسلامية وقادتها، وذلك بسبب ما عُرف عنه من المواقف الصادقة في سبيل مجد العرب والمسلمين بل والإنسانية كاملة، فقد كان بَحْرَ خيرٍ وجودٍ وعطاء، وكان يعمل بكل طاقته في سبيل توحيد الصفوف، وبخصوص بناء الدولة من الداخل فإن الشيخ زايد ورفاق دربه الشجعان قد رسخوا في وجدان الشعب الإماراتي أن العمل هو واحد من أقدس مظاهر التعبير عن حُب الوطن وصدق الانتماء إليه، وهي المسيرة التي مضى عليها أكثر من نصف قرن وما زالت تزداد قوة وصلابة ولا سيما في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي لا يفتأ يتقدّم الصفوف، ويلتقي جميع أبناء الوطن ومن جميع الأعمار، ويبيّن لهم قيمة العمل وأهميته في مواصلة مسيرة البناء والإعمار.

نحنْ ناس ما يحبون الرقاد

دوم نتحرك ونسعى جاهدين

لأجل هذا دولتي ما هي جماد

دولتي حيّه حياة الخالدين

وتعزيزاً لما سبق من قيمة العمل يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن طبيعة الشعب الإماراتي قيادة وشعباً تتمتّع بنشاط فريد هو سرُّ تقدُّمها وقدرتها على الإنجاز، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يتمثل دائماً العبارة الشهيرة: «مَنْ أَلِفَ الوسادة حُرم السيادة» وكم كتب في مقالاته وكتبه وأحاديثه عن حبّه للعمل وللإنسان النشيط وكم عمل جاهداً في سبيل تجفيف منابع الترهل والخمول والكسل بين جميع أبناء الوطن، فهو يحارب على هذه الجبهة منذ أن تقلّد مسؤولياته الجِسام، وتعلّم من والده بركة البكور في العمل، ولذلك فهو وفريق عمله دائماً في سعي وجهاد مستمر من أجل أن تظل هذه الدولة في مدار الحياة والنشاط وتبتعد عن مسارات الكسل والتخلف والجمود.

عيدنا عيد مميّز في العياد

عيد أمّه كاملهْ دنيا ودين

به أهنّيكم بأبياتٍ جِداد

وأسأل الله أن يوفقنا ويعين

ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة المعطرة بعبق الفخر بهذا الوطن الذي يحتفي بأعياده الوطنية من خلال إحساس صادق وعميق بالتميز والانتماء، فعيد الوطن ليس مناسبة للمجاملة والاحتفاء الشكلي بل هو عيد يمثل نبض الأمة في دينها ودنياها، وتعبيراً عن عمق هذا الشعور الوطني الصادق كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الأبيات المتميزة الجديدة لتكون قلادة فخر يتزين بها عنق الوطن في يوم عيده الوطني المجيد.