وزارة للأسرة.. لماذا؟

إن رياح العولمة وتداعياتها، وتأثير الإعلام السلبي بمختلف وسائطه «المقروء والمسموع والمرئي» ومعها «وسائل التواصل الاجتماعي»، بما جلبته من سلبيات، كلها مؤثرات أخذت تلقي بثقلها على الأسرة، فأصبحت الأسرة العربية في مواجهة حقيقية مع سيل التحديات التي لحقت بمنظومة القيم والعادات والتقاليد العربية والإسلامية، ما زاد من المشكلات الأسرية في كل مجتمعاتنا العربية.

لقد شهد مجتمع الإمارات تحولات مجتمعية حادة وسريعة خلال العقود الخمسة الماضية، ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وكانت لهذه التحولات أسبابها الداخلية والخارجية، كما كانت لها آثارها الواضحة على مختلف أبنية المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكانت «الأسرة» من أكثر المؤسسات التي تأثرت بهذه التحولات.

وكما هو معلوم فإن الأسرة هي الوحدة البنائية في المجتمع، وهي نواته التي يتشكل منها، حيث تتولى وظائف عدة، من أهمها تنشئة الأبناء وتربيتهم ورعايتهم، حتى دخولهم مراحل التعليم المختلفة، ومن ثم يدخل المجتمع ليشارك الأسرة في العملية التربوية؛ لهذا نجد أن دستور دولة الإمارات نص في المادتين 15 و16 على أهمية الأسرة في المجتمع، الذي عليه أن يرعاها ويحافظ على تماسكها.

وقد حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على تماسك الأسرة وضرورة حماية أفرادها، خصوصاً في عصر العولمة والفضائيات المفتوحة، واعتماد بعض الأسر - المواطنة تحديداً - على الخدم والمربيات الأجنبيات في تربية الأبناء في ظل تراجع دور الأسرة الممتدة، ما فتح الباب على مصراعيه لدخول أنماط عدة من الثقافات الوافدة على حياتنا.

تقول «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة: «إن الأسرة في فكرنا هي أساس المجتمع، واللبنة الأولى في بنيانه، ومصدر سعادته وتقدمه ونمائه، وهي المجال المهم والملائم الذي تتشكل فيه رؤيتنا لأنفسنا ولدورنا في المجتمع والوطن والعالم، وهي مصنع الأجيال والأساس المتين لتكوين رأس المال البشري في المجتمع.

والأسرة القوية هي المتطلب الأساسي للمجتمع القوي والناجح».

ولقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 «سنة دولية للأسرة».

وفي ذلك اعتراف من المجتمع الدولي بأهمية الأسرة ومكانتها في الحفاظ على تماسك المجتمعات الإنسانية لضمان استقرارها وبقائها.

وإدراكاً لأهمية الوظائف البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي تعزز مكانة الأسرة في المجتمع، فإن الأسرة بجميع المقاييس تعتبر «خط الدفاع الأول» لحماية المجتمع من كل العوامل التي تهدد أمنه واستقراره، فإذا انهار البناء الأسري، فإن البناء الاجتماعي سيصاب بالتفكك.

وانطلاقاً من تلك الأهمية، حرصت الدولة على تماسك الأسرة وضرورة حماية أفرادها، خصوصاً في عصر العولمة والفضائيات المفتوحة، واعتماد بعض الأسر على العمالة المساعدة، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لدخول أنماط مختلفة من الثقافات الوافدة على أبنائنا.

ومن هذا المنطلق ولتلك المعطيات، وترجمة لتوجيهات القيادة الرشيدة التي تحرص على الاهتمام بالأسرة، كونها المحور الرئيس في عملية التنمية الاجتماعية، وكونها الحاضن الأول للنشء المعول عليهم في بناء الوطن، والمشاركة في منظومة تطوره وحراكه الاجتماعي، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن إنشاء وزارة الأسرة، قائلاً: إن «الأسرة أولوية وطنية، وحجر الزاوية في المسيرة، وضمان لمستقبل الوطن، وتوجيهات رئيس الدولة في الاجتماعات السنوية الأخيرة كانت بضرورة العمل على برامج وطنية شاملة لزيادة تكوين الأسر في الدولة، وتعزيز نموها، وتمكينها، وترسيخ تماسكها واستقرارها ورفع معدلات الخصوبة.. الدولة، والوزارة الجديدة ستكون معنية بهذا الملف الوطني المهم»، مضيفاً سموه أن «الأسرة هي النواة الصلبة التي يلتف حولها المجتمع، وهي الضامن لاستمرار تماسكه وقوة أفراده.. والجميع من آباء وأمهات ومؤسسات وطنية معني بدعم تكوين وتمكين الأسرة، ونتطلع لتغييرات إيجابية في هذا الملف خلال الفترة القادمة».

ومن هذا المنطلق وإدراكاً لأهمية الأسرة في النظام الاجتماعي، وبواجب أهميتها وحمايتها ورعايتها والحفاظ على كيانها وهويتها الوطنية وقيمها الاجتماعية والأخلاقية، تحرص الإمارات دوماً من خلال شعار «الأسرة أساس الوطن» على تحقيق مستويات سعادة الأسرة وترابطها وتوفير أرقى المعايير في الإسكان والرعاية الصحية والوصول إلى بناء المنظومة التعليمية الأكثر قدرة على تلبية طموحات مجتمع الإمارات المستقبلية بأن يظل دائماً المجتمع الأكثر تسامحاً وتمسكاً بالهوية الوطنية.

ومما لا شك فيه أن ما حصلت عليه الإمارات خلال الفترة الماضية عربياً من مركز مشرف لرعاية الأسرة هو دلالة مؤكدة على ثمرة الجهود التي توليها قيادتنا الرشيدة لرعاية الأسرة وحمايتها، إدراكاً منها لكونها اللبنة الأساسية، والمحور الرئيس للتنمية الفعالة المستدامة.