عزيزي «المسؤول» العربي

 

عزيزي «المسؤول» العربي:

أرجو أن تتقبل برحابة صدر بعض التساؤلات العابرة من «مواطن عربي عابر»، راجياً منك ألا يذهب بك فكرك العميق إلى البعيد فتظن أنها ـ وأستغفر الله من كل إثم عظيم ـ شك في نزاهتك وأمانتك ووطنيتك!

عزيزي «المسؤول» العربي: أعرف جيداً أنك تسافر كثيراً إلى أمريكا وأوروبا واليابان وسنغافورة وماليزيا ودبي وغيرها، مرات في رحلات عمل، ومرات مع العائلة الكريمة، وغالباً في اليوم ذاته الذي تبدأ فيه إجازات مدارس الأبناء حماهم الله من كل سوء. من هذه الأسفار الكثيرة أستأذنك أن أشاطرك بعض الأسئلة:

عزيزي «المسؤول» العربي: ألم تتوقف لحظة وأنت ـ مثلاً ـ تسير في الهايد بارك فتستفزك «الحمية الوطنية» لتسأل نفسك: ما الذي يمنع أن يكون في كل مدينة من مدن بلادي حدائق واسعة ولو بربع مساحة الهايد بارك؟ ألا يفرح من في مكانتكم أن يجد الناس في بلاده حدائق عامة تجمل المدينة وتلطف جوها، وتمنح الناس فيها فرصة للرياضة، وتقلل من أمراض القلب والاكتئاب والسمنة الزائدة؟

طيب، لنفرض أنك، يا عزيزي «المسؤول» العربي، لا تجد الوقت للتفكير في صحة مواطنيك أو في شكل مدينتك.. أنت نفسك، ألا يسرك أن تسكن في مدينة تُجملها الحدائق العامة، وتجد فيها فرصة للترفيه عن نفسك وعن عائلتك، خاصة أن من في مثل موقعك مزحوم بهموم الوظيفة وعلاقاتها ومشكلاتها؟

عزيزي «المسؤول» العربي: وبما أنك كثير الأسفار، ألم تحرك فيك ساكناً تلك المطارات الأنيقة، والمرتبة أجمل ترتيب وبأنظمة حديثة لا تسمح بتكدس المسافرين في طوابير طويلة، ولا تصيب المرء المتعافي السليم بأمراض الربو وأنفلونزات البقر والدجاج والخنازير؟ ألم تسأل نفسك، عزيزي المسؤول العربي، السؤال نفسه الذي يسأله الملايين من مواطنيك: لماذا مطاراتهم، في الشرق وفي الغرب، نظيفة منظمة أنيقة، ومطاراتنا تعيسة كئيبة مكركبة؟ ألم تلاحظ، عزيزي «المسؤول» العربي، أن تلك المطارات الكثيرة، خارج وطنك، قليلا ما يتوقف فيها سلم كهربائي، وفيها من الأسواق الحرة الكبيرة والمطاعم والمقاهي الجميلة ما يفتح نفس مسافر مثلك للتسوق وقضاء وقت ممتع حتى آخر دقيقة؟ ألم تسأل نفسك؛ لماذا يحزن أمثالك وهم يغادرون تلك المطارات الراقية، فيما الآلاف من مواطنيك يعدون الدقائق لهفة بموعد الإقلاع من مطارات بلادهم، وبعضهم يدعو الله ألا يسامح من كان السبب، لا في الدنيا ولا في الآخرة؟

عزيزي «المسؤول» العربي: أعرف أنك ـ مثل ملايين البشر ـ تمرض أحيانا وتحتاج أن تذهب إلى المستشفى، عافانا الله وإياك، ولكن وبما أن موقعك الوظيفي ـ اللهم لا حسد ـ يؤهلك لأن تتعالج أنت وأفراد أسرتك في أرقى المستشفيات العالمية، ألم تسأل نفسك لماذا مستشفياتهم واسعة ونظيفة ومجهزة بأحدث التقنيات وفيها خيرة العقول من إداريين وأطباء وممرضين، فيما كثير من مستشفياتنا يدار بعقود ظالمة من الباطن وقد عشعشت فيها الدبابير وتكاثرت بين أروقتها الفئران، وينسى الطبيب أحيانا مقصاته في أحشاء مرضاه؟

عزيزي «المسؤول» العربي: أدرك أنك ربما سألت نفسك أو من حولك وأنت تقرأ مقالي هذا، وأعرف أنك ستقرأه اليوم أو غداً أو بعد أسبوع: كيف لكاتب هذا المقال أن يقارن بيننا وبين من سبقونا بعشرات السنين، وستبدع ـ كعادتك ـ في رصد الفوارق بيننا وبينهم، كما لو أننا من زحل وهم من المريخ! ولكن، يا عزيزي «المسؤول» العربي، ما رأيك لو ننسى قليلاً من سبقونا بعشرات السنين، ولنتفكر قليلاً فيمن بدأ بعدنا بعشرات السنين ونجري المقارنة!

عزيزي «المسؤول» العربي: لا تقل لي إنك لا تزور مدنا عربية ناشئة، مثل دبي والدوحة وأبو ظبي. ولا تقل لي إن أطفالك ، رعاهم الله ، لا يلحون عليك بالسفر إلى دبي والاستمتاع بأسواقها ومكتباتها وحدائقها ودور السينما في أرجائها. ولا تقل لي إنك أنت نفسك لا تفرح بأي فرصة تأتي بك إلى الدوحة أو دبي أو أبو ظبي: بالله عليك، عزيزي المسؤول العربي، ألم تحركك قصص النجاح تلك، وهي في محيطك وقريبة من ظروفك، لأن تسأل: ما الذي يمنع أن يكون عندي، من الأنظمة والخدمات والحدائق والطرقات والقطارات والمطارات والطائرات والمدارس وصدق النيات، مثلما عندهم؟

عزيزي «المسؤول» العربي: معقول؟! ألا يثير فيك ما رصدته أعلاه من أمثلة ـ وهي قليل من كثير ـ حميتك وغيرتك، ناهيك عن وطنيتك ومسؤوليتك، أن تسأل نفسك: لماذا هم وليس نحن؟ وكيف تقدموا وتأخرنا؟ ولماذا يعملون بإخلاص ونحن بفساد وكذب ونفاق؟

عزيزي «المسؤول» العربي: أعرف أنك لا ترى في بلادك ما يراه الملايين من أهل بلدك، وأدرك أنك لا تعيش مثلما يعيشون، وأنك لا تسافر كما يسافرون. وأعلم أنك، أعانك الله، مشغول جداً بأعمال خاصة، داخل البلاد وخارجها، ومشغول بالتفكير في أسفارك وأسفار العائلة. لكن المشكلة الكبرى أن الملايين من مواطني بلادك لا يستطيعون العيش مثلما تعيش أنت، ولا يملكون من المال والسلطة والجاه ما لديك. ولذلك رجوتك بالله القوي العظيم الحكيم أن تفكر، بوطنية ومسؤولية، وأنت تجوب الدنيا شرقا وغرباً، في أحوال أناسك الطيـبين، وفي «الحالة» البائسة التي وصلت إليها بلادك. وحينما تفعل، عزيزي «المسؤول» العربي، صدقني ستكون من أول الرابحين!

الأكثر مشاركة