إنه غودو.. لكن على حصان إسرائيلي

 رغم صحة القول المأثور ان «الحركة بركة»، إلا أن التحرك الأميركي الأخير، بعد بيات خريفي لأكثر من شهر، نحو متابعة العمل من أجل استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، لا يوحي بأية بركة.

الإدارة الأميركية التي اعترفت بما أصاب جهودها السلمية من إخفاقات وانتكاسات، عادت لتعلن بصوت خفيض أنها ستتابع العمل على خط البحث عن السلام، مع قليل من الجرعات المخدرة للفلسطينيين والعرب الغاضبين على واشنطن، بسبب إقناعها أو عجزها عن إقناع حليفتها إسرائيل المستمرة في تعنتها وتعطيلها لجهود التسوية.

نقطة أخرى سجلتها الإدارة الأميركية في كشف التنازلات الفلسطينية والعربية، حين تجاوزت مهلة الشهر التي منحتها لجنة المتابعة العربية لواشنطن، ذلك أن المهلة انتهت دون أن تفعل إدارة أوباما شيئاً يستحق الذكر، وحتى دون أن تقوم بالزيارات التي اعتاد عليها مبعوثها للمنطقة جورج ميتشل، ولو من باب رفع العتب. جرعات التخدير الأميركية الجديدة، وإن كان بعضها مكرراً ومستهلكاً، تضمنت موقفاً خطيراً يتصل هذه المرة بالقدس، فبعد أن تذكرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الحاجة لحل عادل لقضية اللاجئين، وذكرت إسرائيل بأن الاستيطان يلحق ضرراً بيهودية الدولة، تطالب كلينتون بالتفكير في حل إبداعي يراعي مصالح الأديان كافة. هكذا تحول كلينتون قضية سياسية واستراتيجية على قدر كبير من الأهمية، إلى قضية دينية أو إنسانية بما لا يتعارض مع الرؤية الإسرائيلية.

إسرائيل تتعامل مع قضية القدس، بكل أبعادها السياسية والقانونية والاستراتيجية والإنسانية، على أنها عاصمتها الموحدة الأبدية، وهي وفق هذه الرؤية لا تمانع في رعاية الحقوق الإنسانية والدينية للمسيحيين والمسلمين، مما يعني أنها تختصر كل موضوع القدس في الأماكن المقدسة فقط، وما يترتب عن ذلك من حقوق جزئية وتسهيلات إدارية ولوجستية.

واشنطن تعود مرةً أخرى، ولكن بيد تحمل للإسرائيليين المزيد من المكافآت والمزيد من الهدايا، على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية. وبعد عامين من التحرك الأميركي النشط والواعد على جبهة المفاوضات وسلام الشرق الأوسط، يتضح أن إدارة أوباما، لم تغير لا مواقفها ولا موقعها من الأطراف، ولا طريقة تعاملها المحكومة بقواعد إدارة الأزمة، وليس معالجة الأزمة. والخشية أن المزيد من الوقت، لا يعني سوى منح إسرائيل المزيد من الفرص لقضم الأرض، والحقوق، والهوية الفلسطينية.

حتى الآن لم ينجح أوباما وإدارته في تسويق المبادرات الكبرى التي أراد أن يسجلها في ميزان حسناته وإنجازاته، إذ يقف عاجزاً أمام الجدار الجمهوري الذي يتحكم في المؤسسات التشريعية، فلا نجح في الحصول على موافقة الكونغرس على اتفاقية خفض الأسلحة النووية التي وقعها مع روسيا، ولا في تمرير قانون الضرائب، أو قضية غوانتانامو، ولا هو بالطبع قادر على أن ينال موافقة الكونغرس على استخدام أي مستوى من الضغط على إسرائيل التي تمنعه من تحقيق أي نجاح، وتمعن في إضعافه واستغلال عجزه.

هكذا يراهن الفلسطينيون والعرب على حصان أعرج، خاسر، ومن غير المتوقع أن يقطفوا سوى المزيد من الأشواك، لأنهم لم يقرأوا جيداً بنزاهة وعمق، ممكنات السياسة الأميركية حين يتعلق الأمر بإسرائيل والمصالح الاستراتيجية في المنطقة. وبسبب محدودية خياراتهم، وعجزهم عن توظيف ما تبقى لديهم من أوراق، ولديهم منها ما يساعد على زيادة وزنهم في المعادلات التي تتصل بالمنطقة، فإن العرب عموماً لا يزالون يعملون وفق المقولة الشهيرة للرئيس المصري الراحل أنور السادات، «ان ‬99٪ من أوراق الحل بيد أميركا». وهكذا يبدو أن بنيامين نتانياهو، هو الوحيد الذي يملك قراءة صحيحة للمشهد الأميركي، وممكنات تحرك إدارة أوباما، وهو يعمل بخطى ثابتة، وبالتكامل مع الجمهوريين في الولايات المتحدة، لإلحاق هزيمة مبكرة بالديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام ‬2012.

بقليل من التفكير يمكن الاستنتاج، بأن وصول أوباما، الديمقراطي، الأسود، من جذور افريقية ومن عائلة مسلمة، لم يكن حدثاً عادياً، ولكنه كان ضرورياً، كمرحلة انتقالية لتوريث الديمقراطيين كل أعباء المرحلة التي سبقت إبان عهد الجمهوريين.

فلقد ورثت إدارة أوباما عن الجمهوريين أزمة مالية واقتصادية ضخمة، لا يزال الاقتصاد الأميركي والعالمي يئن تحت وطأتها، ولا تشير الدلائل إلى أن أوباما سينجح خلال ولايته القانونية في تجاوزها. وورثت إدارة أوباما، كل مخلفات ونتائج الحروب والعداوات، التي أنتجتها مرحلة جورج بوش الابن، من الحرب على العراق وأفغانستان، إلى الحرب على الإرهاب، وأزمات التسلح النووي إلى الأزمات الداخلية.

من الطبيعي إذن، أن يسعى الجمهوريون الذين يسيطرون على أغلبية مقاعد الكونغرس الأميركي، لإفشال كل إنجاز يحاول الديمقراطيون تحقيقه. وبالاستناد إلى تقاليد الديمقراطية الأميركية، فإن عاماً واحداً هو كل ما تبقى أمام الرئيس باراك أوباما وإدارته للتحرك نحو اتخاذ مبادرات وقرارات هامة، فالعام الأخير من ولايته يتسم بالشلل، ويكون محكوماً بالاعتبارات الانتخابية، ومن أبرزها دور ونشاط وموقف اللوبي اليهودي الأميركي الذي يملك تأثيراً على الانتخابات غير قابل للجدل.

الفلسطينيون والعرب يعقدون عزمهم على رهانات خاطئة، مدمرة، وعليهم أن يستنزفوا المزيد من الوقت في البحث عن أوهام غودو الأميركي، الذي إن وصل فعلى حصان إسرائيلي، مما يعني ضرورة إجراء مراجعة شاملة للمرحلة السابقة، والبحث عن خيارات أخرى، لا يستقيم البحث عنها طالما بقي هذا الانقسام الفلسطيني والعربي الخطير.

طلال عوكل

كاتب فلسطيني

الأكثر مشاركة