المهمة القادمة تنافسية دولة الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسوأ ما في الأزمة المالية أصبح وراء ظهورنا، ونحن دائماً متفائلون، والمستقبل واعد. هذه مقتطفات تستحق أن تكون مشفوعة بشارة النصر، وهي تلخيص مفعم بالزهو، وردت في أكثر من مناسبة على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي؟ رعاه الله، خلال العام المنصرم ‬2010. ومع الأقوال القليلة، جاءت أفعال كثيرة لتؤكد أن فارس القول والفعل، يمسك بدفة السفينة ويقودها بحنكة إلى بر الأمان. وقد شهدنا في العام الماضي مجموعة من المشاريع المهمة والمؤثرة في حياة الناس وفي اقتصاد الدولة، لا سبيل إلى تعدادها في هذا المقال.

لم تتوقف مسيرة التحديث في ظل الأزمة، فقد نجحنا بعون الله وبحكمة قيادتنا، في انتزاع الفرص من أنياب التحديات، وظهرت دولة الإمارات أمام العالم عنقاء تنهض من رماد الأزمة، وتعاود السير نحو غاياتها الاستراتيجية أكثر قوة ومنعة وإصراراً. لا خوف على شعب يعرف ما يريد، ويعمل لما يريد بروح الفريق المنسجم. في وجدان كل إماراتي وإماراتية، ثمة إدراك واضح وضوح الكريستال، بأن المبتغى هو أن يكون بلدنا واحداً من أفضل الدول في هذا العالم. تلك هي الرؤية التي تجمعنا جميعاً؛ رؤية الإمارات ‬2021. كلنا نعرف المحطة التالية، ولدينا يقين راسخ بأن لا بديل عن تجسيد الرؤية على أرض الواقع.

لقد زودتنا رؤية الإمارات ‬2021 ببوصلة ترشدنا جميعاً إلى الاتجاه الصحيح، ويبقى أن نسأل أنفسنا، كل في موقعه: هل نسير بما يكفي من زخم؟ وهل نتحرك بإيقاعات متناغمة؟ ومن الفضائل العديدة لرؤية ‬2021، أنها أعادت العمل الاتحادي إلى مكانته الطليعية، الأمر الذي يشجعني على أن أسلط الضوء على أحد النطاقات المهمة للعمل الاتحادي، والمتمثل في حكومة الإمارات الالكترونية، ذلك المشروع الذي يبدو لي أننا ظلمناه بأن حجبنا عنه ما يستحق من اهتمام ورعاية. عندما يتراجع ترتيب دولة الإمارات في مؤشر الحكومة الالكترونية الصادر عن الأمم المتحدة، لمرتين على التوالي، فذلك يعني أن هنالك مشكلة لا سبيل لإغفالها. وعندما نكون أصحاب أول حكومة الكترونية على مستوى المنطقة في عام ‬2000، ونحوز الترتيب الثامن عشر على مستوى العالم والأول عربياً، وبعد عشر سنوات نجد أنفسنا في المرتبة التاسعة والأربعين، فعلينا أن نسأل أنفسنا: هل ننتظر حتى نصبح في المرتبة السبعين، أم نسارع لمعالجة الخلل؟

نعم، لقد تراجع ترتيب دولة الإمارات (بدل أن يتقدم) في تقرير مؤشر الحكومة الالكترونية الصادر عن الأمم المتحدة لعام ‬2010، إلى المرتبة التاسعة والأربعين، بعدما كان الثاني والثلاثين في المؤشر نفسه لعام ‬2008. ولهذا التراجع أسباب، أرى أن من واجبي الإضاءة عليها، ودعوة الجميع للتأمل فيها.

في استراتيجية الحكومة الاتحادية لسنة ‬2007، ثمة نص واضح وصريح بــ«إنشاء هيئة مختصة بتطوير الخدمات الحكومية والحكومة الالكترونية»، من شأنها العمل على تفعيل برنامج الحكومة الالكترونية الاتحادية والسهر على إنجاحها، واليوم بعد أربع سنوات ما زال المشروع ينتظر.

ومن الطرائف غير السارّة، أن الجهات الدولية المعنية بتقييم مدى تقدم الدول في مجال الحكومة الالكترونية، لم تعثر طوال السنوات السابقة على جهة وطنية مخولة بتزويد تلك الجهات بالبيانات والمعلومات والتقارير، عن تطبيقات الحكومة الالكترونية على المستوى الاتحادي، وبالتالي وجدت تلك الجهات الدولية نفسها مضطرة إلى أن تستقي بياناتها عن دولة الإمارات، مما هو متاح من معلومات هنا وهناك، وفي كثير من الأحيان كانت تلك البيانات إما مجتزأة أو منقوصة، من حيث مدى تعبيرها عن واقع التقدم الحاصل في دولتنا في مجال الخدمات الاتحادية وغير الاتحادية.

وعلى المستوى الوطني أيضاً، أدى عدم وجود جهة مركزية اتحادية تعنى بالتنسيق بين مشاريع الحكومات الالكترونية في الإمارات، وتمدّ يد العون للمشاريع الناشئة، إلى تكريس الظاهرة غير الحميدة التي تسمى بالجزر المعزولة، حيث تتطور الوحدات الحكومية بوتائر متباينة، وبأقل قدر من التناغم والتوافق والاتصال.

ثمة نقطة أخرى ربما لعبت دوراً في هذا السياق، واسمحوا لي أن أسوقها على شكل سؤال أعتقد أنه مشروع: هل حقاً أدت الأزمة المالية وتداعياتها إلى أن تخرج الحكومة الالكترونية من نطاق رادار متخذي القرار؟ لقد جاء تراجع الإمارات في مؤشر الحكومة الالكترونية صادماً بالنسبة للكثيرين منا، لكنها صدمة من النوع الإيجابي، لأنها أيقظتنا على حقيقة غاية في الأهمية، ألا وهي أننا اعتدنا على التفوق والريادة، إلى درجة اعتقد بعضنا أن وجود دولة الإمارات في الطليعة هو من المسلّمات أو من القوانين الطبيعية التي لا يمكن خرقها.

وبينما قنعنا نحن ـ أو بعضنا على الأقل ـ بتلك المسلمات، فإن الآخرين من حولنا تعلّموا الدروس بشكل صحيح، واستفادوا من قيلولتنا، فحققوا نتائج تستحق التقدير. ولعلي أشير هنا إلى تجربة الإخوة في مملكة البحرين، حيث حققت حكومة البحرين الالكترونية المرتبة ‬13 على مستوى العالم، والمرتبة الثالثة على قارة آسيا والأولى عربياً. كيف تم هذا الإنجاز؟ ما من أحد (وحتى في البحرين نفسها) ينكر حقيقة أنهم استفادوا من تجربة الإمارات، ولعل الدور علينا الآن لكي نستفيد من تجربتنا نحن. لقد حققنا الريادة إقليمياً، واقتربنا من القمة عالمياً عندما كانت الحكومة الالكترونية قريبة إلى قلب متخذ القرار. وما كان لمملكة البحرين أن تصل إلى ما وصلت إليه، لولا أنها أدركت الأهمية الاستراتيجية للحكومة الالكترونية، بما في ذلك انعكاساتها الكبيرة على الاقتصاد الوطني، فكان أن تم إيكال المشروع إلى لجنة يرأسها ويشرف على عملها اليومي نائب رئيس مجلس الوزراء نفسه. أمر يذكرنا بالعصر الذهبي للحكومة الالكترونية في دولة الإمارات، ويزيدنا إصراراً، رغم الصعوبات، على أن نحقق اختراقاً في تقييم الأمم المتحدة للحكومات الالكترونية نهاية العام الحالي.. وسننجح بإذن الله.

 

 

Email