هل ستتحقق أحلام الشعب التونسي؟

للمرة الأولى في التاريخ العربي المعاصر، يقوم الشعب بإسقاط نظام، بدلا من الانقلابات العسكرية أو القوى الأجنبية أو القوى الداخلية، من معارضة وأحزاب سياسية وقوى مضادة.. فما حدث في تونس يبّشر بالخير، ويعتبر درسا وعبرة لشعوب أخرى في دول عربية عديدة، قد تستفيد من تجربة تونس أو تأخذها نهجا تسلكه في المستقبل لتغيير أحوالها.

الشعب التونسي استطاع أن يطيح ويتخلص من مرحلة حكم دامت ‬23 سنة، حكم خلالها الرئيس زين العابدين بن على بقبضة من حديد، وبانتهاك مختلف الحريات في البلاد، وتفشى الفساد في تونس، خاصة في المحيط العائلي للرئيس، الذي كان نظاما داخل نظام وسلطة داخل سلطة، جسدت الفساد والسلب والنهب والظلم والطغيان.

الدرس الذي جاءنا هذه المرة من تونس معبر جدا، حيث أكد للجميع أن الشارع العربي بإمكانه أن ينتفض ويتظاهر ويغّير الأوضاع. تجربة تونس أكدت أن سلطة المعرفة تتفوق دائما على سلطة الاستبداد والظلم والطغيان. وهنا تجب الإشارة إلى أن أكثر من مليون ونصف مليون تونسي مشتركون في «الفيس بوك»، وأن ‬5 ملايين تونسي يقرأون ‬3 كتب في السنة، وأن تونس حققت مستويات جيدة على صعيد الدول العربية والقارة السمراء، في ما يخص التعليم واستعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال. لقد أدرك الشعب التونسي جيدا كيف يجب استغلال تكنولوجيا الاتصال والثورة الرقمية، لتغيير أحوال البلاد والعباد، وهذا يعني أن الشعب التونسي وصل إلى درجة متقدمة من الوعي، بفضل انتشار التعليم والمعرفة والإنترنت والشبكات الاجتماعية، واستطاع أن يتجاوز الرقابة واستبداد النظام، باستخدامه المكثف لوسائل الاتصال الحديثة لنقل همومه ومشاكله للخارج.

وأخيرا يحقق الشعب في تونس ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية والقوى المختلفة، إن كانت هناك قوى مضادة في المجتمع التونسي. فالحركة الشعبية أو «كومونة تونس» فعلت فعلها، وزحزحت ابن على من سدة الحكم، وأرغمته على الفرار ومغادرة البلد.

ما شهدته تونس في الأسابيع الماضية، يعتبر حدثا تاريخيا ومنعطفا حاسما في تاريخها المعاصر، لعدة أسباب أهمها أنه من النادر جداً في تاريخ الأنظمة العربية أن استطاعت حركات شعبية أن ترغم الحاكم على الفرار بجلده. وفرار ابن على يعني أن تونس مقبلة على رئيس جديد ومرحلة جديدة وآليات حكم وإدارة جديدة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل فرار الرئيس ابن على يعني إقبال تونس على عهد جديد من الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة والفصل بين السلطات...إلخ، أم أن رجالات حكم ابن على الموجودون في البلاد هم الذين سيتولون الإشراف على المرحلة الانتقالية؟ ففؤاد المبزع رئيس مجلس النواب السابق ورئيس تونس المؤقت حاليا، عمل في النظام وترأس البرلمان لمدة ‬13 سنة. والرجل الثاني في الحكم، محمد الغنوشي، من رجالات النظام السابق وهو الوزير الأول حاليا كما كان من قبل. فهل سيسرع رجالات ابن على في عملية التغيير؟ وهل لديهم نية لذلك؟ أم أنه سيتم اغتصاب الثورة الشعبية لتستمر في العمل آليات النظام السابق؟ ففرار ابن على لا يعني بالضرورة أن النظام انتهى إلى الأبد، وأن قوانين جديدة وآليات جديدة للحكم ستطبق.

ما هي احتمالات إجهاض الثورة الشعبية؟ وما هي احتمالات «ركوب الموجة» من قبل محترفي السياسة الانتهازية، الذين يأتون في آخر لحظة ويستغلون الظروف لوضع أجندة وبرنامج عمل قد يكون بعيدا كل البعد عن أهداف الانتفاضة الشعبية وأهداف الذين استشهدوا في سبيل التغيير وطموحات الجماهير العريضة؟ إن فرار بن على وتنحيه عن السلطة في تونس، لا يعني بالضرورة أن أهداف الجماهير تحققت وأن الديمقراطية ستفرض نفسها في ربوع تونس الخضراء. فما هي احتمالات النجاح في التغيير والتخلص من أذناب النظام ومن رواسب ‬23 سنة من حكم الطغيان والاستبداد وسلب الحقوق والحريات؟ ومن هو الذي سيشرف على المرحلة الانتقالية؟ وهل ستعطى الفرصة للشرفاء والوطنيين المخلصين للإشراف على المرحلة الانتقالية، لاختيار رئيس كفؤ ونزيه يحقق مطالب البوعزيزي وشباب تونس العاطل والفقراء والمساكين والمهمشين؟

مرحلة ما بعد فرار ابن علي، مرحلة محورية في تاريخ تونس، وهي مرحلة حساسة يجب التعامل معها بذكاء وببصيرة ومنهجية وبحذر، إذا أرادت تونس أن تدخل عهدا جديدا مختلفا تماما عن العهد السابق. فإلى حد الساعة غادر ابن على الحكم، لكن نظامه ورجالاته ما زالوا في تونس، والدستور الحالي هو الدستور الذي فصّله ابن علي على مقاسه وكما أراده أن يكون، وهذا الدستور لا يخدم المرحلة الجديدة في تونس، ولا يخدم الديمقراطية والتناوب على السلطة والفصل بين السلطات، الأمر الذي يتطلب العمل على إعادة صياغته وتعديله، وفق متطلبات المرحلة الجديدة ومطالب الجماهير التونسية التي تظاهرت وضحّت بأرواحها من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. فلا تغيير مستقبليا في تونس دون تغيير الدستور. أما التغيير الثاني فيخص مجلس النواب، حيث يتوجب حل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات برلمانية مسبقة، وإعطاء الفرصة للمعارضة والقوى المضادة وكل الفعاليات السياسية في تونس، لدخول هذا البرلمان الذي يجب أن يكون برلمانا تعدديا يمثل كل الفعاليات السياسية في البلاد.

الوضع الحالي في تونس غير واضح وغامض للغاية، رغم مغادرة الرئيس ابن على الحكم. فالخوف أن أجهزة النظام السابق ستفعل كل ما بوسعها، لإفساد المرحلة الانتقالية وعرقلة أي عمل من شأنه أن يأتي بالتغيير وبالديمقراطية وبالانفتاح على الحريات الفردية وإقرار العدالة الاجتماعية. فالتقارير الأخيرة من تونس، تظهر أن بعض الأجهزة الأمنية للنظام السابق تقوم بأعمال تخريبية وبالقتل ونشر الفوضى والخوف، بهدف الوقوف أمام أي عمل يهدف إلى التغيير وإلى الاستجابة لمطالب الجماهير، وبعضها يرى أن هناك من يدير ميليشيات مسلحة لإشعال الحرب الأهلية.

فالمرحلة القادمة ليست بسيطة ولا سهلة، فهي مرحلة يكتنفها الكثير من التحديات والرهانات، وهي مرحلة حساسة ومصيرية للشعب التونسي، ويجب التعامل معها بحذر وبحنكة وبمهنية كبيرة جدا. فإنجاز الشعب التونسي كان رائعا في تخلصه من حكم اتسم بالاستبداد والطغيان والظلم لمدة ‬23 سنة، لكن ما ينتظر الشعب التونسي أهم بكثير مما تحقق، حيث يجب العمل ليل نهار لتفادي إجهاض الثورة الشعبية، أو استغلالها من قبل الوصوليين والانتهازيين ومحترفي الاستغلال والابتزاز.

الأكثر مشاركة