الأردن أكثر أهمية لروسيا من إسرائيل

بعد إلغاء زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لإسرائيل، لأسباب «فنية» داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية، توقع الكثيرون أن الزيارة للمنطقة، والمقررة للأردن والسلطة الفلسطينية مع إسرائيل، ستؤجل لموعد آخر عندما تنتهي المشاكل الفنية في الخارجية الإسرائيلية، وذلك اعتقادا من البعض بأن إسرائيل هي الوجهة الرئيسية لميدفيديف في الزيارة. ولكن تصميم الرئيس الروسي على القيام بالزيارة للأردن والسلطة الفلسطينية، والنتائج التي حققتها الزيارة، أثبتت للجميع أن إسرائيل لم تكن الوجهة الرئيسية في الزيارة، وأن ما يهم روسيا في الأردن بالتحديد، أكثر بكثير مما يهمها في إسرائيل. ولا يخفى على الكثيرين أن هناك في روسيا من كانوا يتمنون تأجيل الزيارة أو حتى إلغاءها، خاصة من اللوبي الموالي لإسرائيل والرافض لتقارب روسيا مع العرب، هذا اللوبي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وزاد تواجده ونفوذه في عهد الرئيس الأسبق يلتسين.

زيارة الرئيس الروسي ميدفيدف إلى الأردن والسلطة الفلسطينية في الأسبوع الماضي، كانت ناجحة ومثمرة بكافة المعايير، ولم يكن نجاحها في المجال السياسي الذي يتركز حول تحريك التسوية السلمية في الشرق الأوسط وإخراجها من مأزقها الراهن، خاصة وأن واشنطن وتل أبيب تبذلان جهودا مكثفة لإزاحة روسيا من المنطقة، وتهميش دورها السياسي.

لكن النجاح الحقيقي للزيارة، هو في تأكيد حرص موسكو على مواصلة التعاون الاقتصادي والصناعي مع الدول العربية، ما يشكل ضربة للنظرية التي يروجها اللوبي الموالي لإسرائيل في روسيا. لقد جاءت زيارة ميدفيدف والاتفاقات التي تم التفاهم عليها مع الأطراف العربية، لتؤكد تمسك الكريملن بشركائه التاريخيين، بل إن الرئيس ميدفيديف أعرب عن قناعته بأهمية علاقات التعاون المتطورة التي تربط روسيا بالدول العربية، باعتبار أنها تصب في مصلحة روسيا.

ولعل تأكيدات الكريملين على أن الأردن شريك قريب لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، واتفاق الجانبين على التعاون في عدة مجالات، منها مجال النفط والغاز، ومشروع تشييد محطة كهروذرية، كل هذا يعبر عن اختيار موسكو لمواصلة التعاون مع الشريك العربي، الذي يعتبر حليفا تاريخيا لروسيا.

هذا التوجه الروسي نحو العرب، يلقى معارضة حادة من اللوبي الموالي لإسرائيل في روسيا، ولقد بذل هذا اللوبي جهودا كبيرة لإجهاض اتفاقات روسيا والأردن لتأسيس شركة مشتركة في عمان لإنتاج طراز متطور من قاذف صواريخ «ارـ بى ـ جي»، والذي سمي بعد نجاح التجارب بقاذف «هاشم»، إذ عانت إدارة مؤسسة «بازلت» الروسية، التي توصلت لهذا الاتفاق مع الجانب الأردني، من ضربات عنيفة، وشهدت مصانع بازلت للذخيرة والمعدات العسكرية، والتي تأسست منذ أكثر من سبعين عاما، وانتشرت منتجاتها في أكثر من ‬80 دولة، تغييرات في عدد من إداراتها، وتوقع فريق من الخبراء تصفية المؤسسة، ولم يستبعد هذا الفريق أن يكون الدافع لذلك، هو حرصها على التعاون مع الدول العربية في مجال التصنيع العسكري.

ووجهت إسرائيل اتهامات صريحة لإدارة مؤسسة «بازلت»، بأنها تورد أسلحة ومعدات عسكرية لميليشيات حزب الله، خاصة عندما استخدمت مدافع «أرـ بيـ جي» خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام ‬2006، بشكل واسع ووجهت ضربات موجعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، إلا أن فلاديمير كورنيكوف، المدير السابق لمؤسسة بازلت، نفى بشكل قاطع قيام مجمع بازلت بتزويد مليشيات حزب الله أو غيرها من المليشيات التابعة للأحزاب والقوى السياسية، بأي معدات أو ذخائر عسكرية، وأكد أن كافة منتجاته تم توريدها بشكل قانوني، ولم تصل إلى أية أطراف أخرى، استنادا للعقود الموقعة مع المشترين والتي تمنعهم من توريد منتجات مؤسسة «بازلت» لجهات أخرى دون موافقة إدارة المؤسسة.

وعقب انهيار الاتحاد السوفييتي، مرت مصانع بازلت بأزمات حادة ومرحلة عدم استقرار، وتمكنت إدارة مؤسسة «بازلت» من الانتقال من مرحلة الأزمة إلى مرحلة الأرباح، ووقعت عشرات العقود لتصدير منتجاتها لمختلف الأسواق، وحققت أرباحا جيدة خلال عامي ‬2007 و‬2008.

وكانت إدارة بازلت عام ‬2005 قد توصلت لاتفاق مع الأردن على إطلاق الإنتاج المشترك، وفجأة بدأت تبرز على السطح صراعات غير واضحة المعالم والأسباب، إذ واجه مدير المؤسسة آنذاك اتهاما بنهب المال العام، وتم إيقافه احترازياً لمدة عشرين يوماً، صدر بعدها قرار قضائي بإخلاء سبيله لأن توقيفه لا يستند إلى أساس قانوني، ثم صدر قرار بإقالته، ما دفع البعض للاعتقاد بأن ملف التعاون مع العالم العربي في مجال التصنيع العسكري، من الأسباب التي دفعت لتغيير إدارة المؤسسة، خاصة بعد إقالة عدد من الخبراء العسكريين، بينهم أبرز مصممي قاذفات الصواريخ «هاشم»، ما يعني أن المشروع مع الأردن أصبح مهددا بالإلغاء.

لكن موسكو عادت أواخر العام الماضي لتجدد تمسكها بهذا المشروع، ووقعت روسيا مع الأردن اتفاقيات تنص على إنشاء مصنع لإنتاج قواذف «هاشم» في الأردن، صمم لإنتاج ‬60 ألف قاذف في السنة. وأكد الرئيس ميدفيدف خلال زيارته إلى الأردن، اهتمام الكرملين بتطوير وتعميق هذا التعاون.

هذه النتائج الإيجابية تؤكد أن تصميم ميدفيديف على زيارة المنطقة، رغم استبعاد إسرائيل من الزيارة، إنما كان لأن إسرائيل لم تكن الهدف الرئيسي من الزيارة، بل الأردن الذي أصبح من أقرب الشركاء لروسيا في المنطقة.

 

الأكثر مشاركة