العالم على أبواب سباق تسلح جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذرت القيادات الروسية من العودة إلى منطق الحرب الباردة وبدء سباق تسلح جديد، وأعلن الرئيس ديميتري ميدفيدف في البرتغال خلال القمة الأخيرة لحلف الناتو وروسيا، أن موسكو لن تتعاون مع حلف شمال الأطلسي إلا على أساس التعاون المتكافئ، وحذر من ظهور الدرع الصاروخية من جانب واحد، معتبرا أن هذا لا بد وأن يقضي على التوازن الاستراتيجي في العالم، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام سباق تسلح جديد.

وعلى الصعيد الداخلي في روسيا، أعطى الرئيس ميدفيديف توجيهاته إلى الحكومة الروسية، بتوحيد قوات الدفاع الجوي وقوات الدفاع المضاد للصواريخ تحت قيادة استراتيجية واحدة قبل نهاية هذا العام، مشيرا إلى أن هذه الخطة تستهدف تعزيز منظومة الدفاع الجوي، بما في ذلك وسائل الإنذار من الهجوم الصاروخي، ومراقبة المجال الجوي لتطوير القدرات الاستراتيجية الصاروخية الروسية، في مواجهة أي أخطار أو تهديدات يمكن أن تواجه أمن روسيا القومي.

وفي كلمته أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية، أعلن الرئيس ميدفيدف أن عدم التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول المنظومة الصاروخية الدفاعية، وعدم المصادقة على معاهدة ستارت الجديدة (التي تمت المصادقة عليها منذ أسابيع قليلة) سيؤدي لسباق تسلح جديد.

ومن المؤكد والمعروف للجميع أن روسيا لا تسعى لتصعيد التوتر في العالم، وإنما تبحث عن سبل لضمان أمنها وأمن واستقرار المجتمع الدولي، ولا تتحرك روسيا في هذه الاتجاهات من فراغ، بل لأنها تستشعر الخطر من بعض الجهات الأخرى، كما تستشعر عدم اهتمام الغرب بالتعاون معها في قضايا الأمن بشكل جدي، وأن الحوار في هذا الشأن لا يزيد عن إطار المجاملات الدبلوماسية، بينما كل شيء في الغرب، وخاصة داخل أروقة حلف شمال الأطلسي، يسير على السياسة القديمة التي تتعامل مع روسيا على أنها عدو الأمس واليوم وغدا. وقد تقدمت روسيا بالعديد من المبادرات للتعاون مع الغرب في قضايا الأمن المشترك، ووجدت على المستوى الدبلوماسي قبولا وترحيبا كبيرا، ولكن عند طرح القضايا للنقاش العملي من أجل وضع خطط عملية مشتركة، تفاجأ روسيا بالغربيين يتهربون ويرجئون المسائل لآجال بعيدة.

لا شك أن تقاعس الغربيين سيفرض على روسيا توجها للعمل على ضمان أمنها القومي، على أرضية مبدأ الردع المتبادل والذي يقوم على توازن القوى الاستراتيجي، وذلك بصرف النظر عن تأثير ذلك على مصالح الدول الغربية. فروسيا لا يمكن أن تنتظر إلى ما لا نهاية، حتى يرضى الغرب عن مبادراتها الخاصة بضمان الأمن والسلم في العالم، ولن تنتظر حتى ينفذ الغرب مخططاته ويبني أنظمته الدفاعية الخاصة به، ويضعها على الحدود مع روسيا لتصبح أمرا واقعا.

روسيا تشعر أنها مهددة في أمنها، ولا شك أنها ستضطر إلى توفير كافة الأدوات التي تضمن أمن الشعب الروسي، وتضمن لها سيادتها على أراضيها.

لقد أبدت موسكو الكثير من المبادرات التي تعبر وتعكس حسن نياتها تجاه الغرب، ولعل من أبرز الخطوات التي بادرت موسكو لاتخاذها كدليل على حسن نواياها، كانت عدم تسليم إيران منظومة «اس-‬300» الصاروخية، رغم أنها سلاح دفاعي وليس هجوميا، بل وتأييدها لقرار فرض العقوبات على إيران الذي أصدره مجلس الأمن، وتجميدها لكافة بنود التعاون العسكري الروسي ـ الإيراني، التي تندرج ضمن قرار العقوبات. لكن الغرب لم يقابل الموقف الروسي بالثقة والتجاوب اللازمين للنهوض بالعمل المشترك، الهادف لحماية أمن المجتمع الدولي، ما دفع موسكو إلى البدء في تنفيذ خطة طويلة الأجل، لتطوير قدراتها العسكرية والاستراتيجية.

فقد كشف الجنرال سيرغي كاراكايف قائد القوات الصاروخية الاستراتيجيه الروسية، أن روسيا سوف تزيد من قدرات القوات الصاروخية على اختراق شبكات الدفاع المضادة للصواريخ، مما يعزز قدرات الردع النووي للقوات الاستراتيجية النووية الروسية، وأضاف كاراكايف أن عدة تجارب ناجحة قد أجريت لإطلاق صواريخ «بولافا» البالستيه العملاقة والعابرة للقارات، ما قد يشجع القيادة الروسية على إدخال هذه الصواريخ في الخدمة خلال عام، الأمر الذي سيثير اعتراضات وقلقا كبيرا في الغرب، وسيعتبره الكثيرون إخلالا بتوازن القوى العالمي.

كما شهدت السنوات الماضية طفرة نوعية في إعادة إحياء الأسطول الحربي الروسي، والتواجد العسكري في أنحاء مختلفة من بحار ومحيطات العالم، ووصلت السفن الحربية الروسية والقاذفات الاستراتيجية إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة، وقام الأسطول بمناورات مع سفن الأسطول الفنزويلي، وأبحر الأسطول الحربي الروسي بعيدا في مياه المحيط العالمي، حتى وصل إلى مياه البحر الكاريبي الذي تعتبره الولايات المتحدة بحيرة أميركية. وبعد انقطاع دام ‬64 سنة، عبرت سفينة حربية روسية قناة بنما من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. كما وضعت البحرية الروسية ركيزة لها في ميناء طرطوس السوري، تمكن سفنها وبوارجها من التجول بحرية في مياه البحر المتوسط.

لا شك أن القيادة الروسية لا تسعى لاستعراض قدرات روسيا العسكرية، ولا تسعى إلى تطوير أسلحتها بلا هدف استراتيجي، خاصة وأن النظام الحاكم في روسيا يرى أن توجيه بنود الإنفاق العسكري نحو تحسين ظروف المواطن الروسي، أفضل من إنتاج المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية. لكن عدم تجاوب الغرب مع المبادرات الروسية لاتفاق حول الأمن العالمي بشكل مشترك، سيدفع موسكو نحو تطوير وتدعيم ترساناتها العسكرية، كما سيرهق أوروبا التي ما زالت تترنح تحت وطأة ضربات الأزمة المالية.

Email