ساكاشفيلي يستعد لحرب أخرى ضد روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم كل ما نراه من تحسن في العلاقات بين موسكو وواشنطن إلا أن السياسات العدوانية في الولايات المتحدة تجاه روسيا مستمرة، وتصل إلى حد العمل على زعزعة استقرارها وجرها لنزاعات وحروب تستهلك طاقاتها ومواردها، والدليل على ذلك الدعم الواضح من واشنطن وحلف الناتو لنظام الرئيس ساكاشفيلي في جمهورية جورجيا المجاورة لروسيا، وقد وصل الأمر إلى حد الدعم العسكري، حيث نما إلى علم روسيا من مصادر استخباراتية أن الولايات المتحدة تتطلع لتوريد أسلحة تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات إلى جورجيا عن طريق بلدان أخرى، تلبية لطلب مبعوث الرئيس الجورجي، باراميدزه، الذي حمل إلى واشنطن في ديسمبر الماضي مطلب إمداد الجيش الجورجي بأسلحة قادرة على مقاومة صواريخ «س-‬300» و«سميرتش» التي نصبتها روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية «توطئة لشن عدوان». ومن الممكن أن تمد الولايات المتحدة جمهورية جورجيا بصواريخ «باتريوت» و«ستينغر» وجافيلين» و«هيلفاير ‬2»، وتخرق بالتالي حظرا غير رسمي فرضته جميع دول العالم تقريبا على تصدير الأسلحة إلى جورجيا إثر قيامها باعتداء على جمهورية أوسيتيا الجنوبية في أغسطس ‬2008.

من الواضح أن واشنطن تستمر في دعم القيادة الجورجية التي أشعلت نار الحرب في القوقاز في عام ‬2008 وتخطط للمزيد من الاعتداءات على دولتين مستقلتين هما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، رغم أن إدارة الرئيس باراك أوباما تحرص على التزام سياسة تحسين العلاقات مع روسيا التي انبرت لرعاية هاتين الدولتين.

وقد قام الرئيس الجورجي ساكاشفيلي بزيارة إلى الولايات المتحدة منذ أيام ولا يستبعد أن تكون واشنطن قد قررت استئناف إمدادات الأسلحة لنظام الحكم الجورجي أثناء لقاءات المسؤولين الأميركيين مع ساكاشفيلي.

واشنطن مازالت تتحجج باعتراضها على تعاون روسيا مع الجمهوريتين الصغيرتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المستقلتين عن جورجيا، وتعتبر هذا التعاون اعتداء على سيادة جورجيا ووحدة أراضيها، وقد اعتبر المحللون الغربيون أن توقيع روسيا لمعاهدات لحماية حدود أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تتضمن قيام القوات الروسية بالتعاون مع القوات الأبخازية بحماية حدود البلدين، وتشكيل هيئات مشتركة للإشراف على نشاط وعمل هذه القوات خطوة سلبية في علاقات روسيا بحلف الناتو وواشنطن، بل إن قيادة حلف شمال الأطلسي اعتبرت هذه المعاهدات انتهاكاً لاتفاقيات ‬12 أغسطس ‬2008 السداسية التي وقعتها روسيا مع الاتحاد الأوروبي، وحذر الناتو من أن هذه المعاهدات يمكن أن تهدد الأمن والسلام في إقليم القوقاز، علما بأن التواجد الروسي في القوقاز .

والذي كان وفق قرارات دولية كقوات حفظ سلام، فنجد أنه لم يطرأ أي تغيير جوهري على هذا الدور، وهو ما أكدته تصريحات نيكولاي ليسينسكي قائد قوات حراسة الحدود في الجنوب الروسي، حول ضرورة انتشار الجنود الروس على طول حدود أوسيتيا الجنوبية مع جورجيا للحفاظ على حالة الاستقرار في المنطقة باعتبار هذا واجبا والتزاما أخذته روسيا على عاتقها أمام المجتمع الدولي وأمام رابطة الدول المستقلة، ووافقت الأمم المتحدة على هذا الأمر وأقرت بأن روسيا هي الوحيدة القادرة على القيام بمهمة حفظ السلام والأمن في هذه المنطقة.

وهذا ما دفع روسيا للتدخل بجيشها في أغسطس عام ‬2008 عندما اعتدت جورجيا على جارتها الصغيرة أوسيتيا الجنوبية وقتلت المئات من المدنيين العزل من النساء والأطفال وكبار السن، ولولا التدخل الروسي الحاسم لقام نظام ساكاشفيلي بإبادة شعب أوسيتيا الجنوبية بأكمله وتوجه إلى أبخازيا ليقضي أيضاً على شعبها، ولقد اعترف هو بذلك علنا عندما قال داخل البرلمان الجورجي « إذا كانا شعبي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لا يريدان الانضمام لجورجيا فنحن لا نريدهم ولكن نريد الأرض بدونهم».

لم تكن روسيا لتقف صامتة أمام مذابح يقترفها نظام طائش مع شعوب صغيرة مسالمة تعيش بجواره وبجوار روسيا، ولا يجوز لواشنطن ولا حلف الناتو ولا لغيرهم أن يعترض على تدخل روسيا لحماية هذه الشعوب ودعم استقلالها، لأن هذا التزام دولي وأخلاقي أخذته روسيا على عاتقها.

في ظل هذا المناخ يصبح غير مفهوم بالمرة منطق واشنطن وحلف الناتو في اعتبار أنفسهم مسؤولين عن حماية الأمن والاستقرار في القوقاز، وكيف يمكن تحقيق ذلك عبر دعم وتسليح القوات الجورجية التي تستعد لشن حملات ضد روسيا، ويصعب فهم توجهات الناتو وسعيه للتقارب مع روسيا والتعاون معها في الوقت الذي يدعم فيه مصدر الخطر الذي يهدد الأمن القومي الروسي، وإذا كانت واشنطن تنصب درعاً صاروخية على بعد آلاف الأميال عنها لحماية أمنها القومي من خطر متوقع يبعد عن حدودها آلاف الأميال، وتجد هذه الخطة دعماً أوروبياً، فكيف يمكن سلب روسيا حقها في حماية حدودها من نظام عدواني يقع على حدودها ويسعى ويعد لشن حرب ضدها؟.

لقد بات واضحاً أن نظام ساكاشفيلى يقود جورجيا نحو الهاوية، وقد عبرت مختلف الفصائل السياسية الجورجية بما فيها حليفته السابقة نينا بورجانادزه رئيسة البرلمان السابقة عن هذا الموقف وطالبته بالاستقالة، وأصبح جلياً أنه يسعى لتفجير حرب جديدة في إقليم القوقاز لحساب إنقاذ مصالحه الشخصية، ومن المؤسف أن تنجر واشنطن وحلف الناتو إلى ألاعيب سياسي من الدرجة الثالثة مثل ساكاشفيلي لا يدمر بلاده فقط، وإنما يهدد بتفجير إقليم القوقاز وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

Email