النفق الأفغاني يزداد عمقاً وظلاماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يستبعد أن تكون تصريحات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، الخاصة بالمرحلة الأولى من نقل المسؤولية الأمنية من القوات الأجنبية إلى الجيش الأفغاني، والتي ستبدأ في ربيع العام الحالي، تستهدف تهدئة القلق الروسي، والذي عبر عنه سيرغى ايفانوف نائب رئيس الحكومة، في تصريح كشف فيه عن أن روسيا غير راغبة في انسحاب القوات الدولية العاملة على حفظ الأمن في أفغانستان من الأراضي الأفغانية، وذلك استنادا إلى سياساتها التي تحرص على استقرار الأوضاع في أفغانستان.

لكن كرزاي، من جانبه، أشار إلى أن الجانب الأساسي الذي تحتاجه قوات الأمن الأفغانية، يتمثل في توفير تمويل منتظم لعملها. فنفقات الولايات المتحدة سنويا على الأمن في أفغانستان، تبلغ أكثر من ‬100 مليار دولار، وهو مبلغ خيالي بالنسبة للأمن، وأكبر بكثير مما ينفق على الأمن في أية دولة أخرى، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، ويعتقد الرئيس الأفغاني أن هذه النفقات بالإضافة إلى النفقات الأوروبية، لم تذهب سدى، حيث شهدت الأوضاع الأمنية في أفغانستان تحسنا ملموسا.

ويسود اعتقاد في الأوساط الأوروبية، بأن توصل المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان ـ الذي تشكل بقرار من المجلس الأعلى للقبائل (لويا جيركا) ـ إلى تسوية مع الحزب الإسلامي الأفغاني المعارض الذي يتزعمه قلب الدين حكمتيار، تضمن مشاركة الحزب في السلطة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، يمكن أن يوفر التربة لإحلال السلام والاستقرار، وسيوحد الجهود لمواجهة المتمردين.

وسيصبح حجم قوات الأمن الأفغانية نحو ‬300 ألف شخص في نهاية العام الحالي، كما يضم الجيش الأفغاني ‬152 ألف جندي، بينما وصل عدد قوات الشرطة أكثر من ‬130 ألفا. ويرى حلف الناتو أن تطوير قوات الأمن الأفغانية وإيقاف ظاهرة الفرار التي تعاني منها، يتطلب توفير تمويل مالي لتحسين الرواتب، وتنظيم برامج تدريب فعالة.

موسكو من جانبها ترى أن الأموال، مهما بلغت، ليست هي الحل الوحيد للأزمة الأمنية في أفغانستان، وأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب الأفغاني، تحتاج لاهتمام أكبر مما هي عليه الآن، ولا تقل أهمية عن المسألة الأمنية. وتركز موسكو على قضية زراعة وتجارة المخدرات، التي ما زالت تشكل المصدر الرئيسي، وربما الوحيد، لدخول الغالبية من المواطنين الأفغان.

والغرب من جانبه، يعترف بأن قلق موسكو مشروع، لأن أفغانستان ما زالت تمثل المصدر الأول للمخدرات في العالم، حيث تنتج وحدها ‬93٪ من الأفيون في العالم، وتورد للأسواق العالمية حوالي ألف طن هيروين، وتزيد مساحات مزارع المخدرات فيها عن مائتي ألف هكتار. ورغم تناقص مزارعها، إلا أن حجم الإنتاج زاد بمعدل الضعف، وما زالت أفغانستان المنتج والمصدر الأول للحشيش والهيروين والماريغوانا والأفيون، ما يشكل تهديدا حقيقيا للأمن الدولي، وأمن الدول المجاورة لأفغانستان خاصة، وعلى رأسها روسيا والصين اللتان يموت فيهما سنويا نحو مائة ألف شخص بسبب المخدرات القادمة من أفغانستان. وكشف رئيس وكالة مكافحة المخدرات في طاجيكستان، رستم نزاروف، عن أنه رغم تراجع محصول الأفيون عام ‬2010 في أفغانستان إلى ‬3,6 ألف طن، أي ‬48٪، مقارنة مع عام ‬2009، إلا أن أفغانستان لا تزال تحتل المرتبة الأولى في إنتاج وتصدير الأفيون للعالم، بل إن أسعاره ارتفعت من ‬64 دولارا إلى ‬169 دولارا للكيلوغرام الواحد. وكشفت وكالة مكافحة المخدرات الروسية، عن أن أكثر من ‬80 طن هيروين سنويا تدخل إلى الأقاليم الروسية عبر الحدود الطاجيكية.

وتعتبر موسكو أنه لا توجد جدية من قبل أطراف التحالف الدولي، في مكافحة المخدرات الأفغانية، إذ يسيطر اعتقاد على الغرب بأن تدمير مزارع المخدرات سيقضي على مصادر الدخل الأساسية للشعب الأفغاني، ما يهدد بوقوع البلاد في قبضة المتمردين من أنصار حركة طالبان.

روسيا ترى أن مكافحة المخدرات الأفغانية، لا يمكن أن تعتمد فقط على الجهود الأمنية، وعمليات تدمير مزارع المخدرات، وإنما يجب أن تترافق هذه الإجراءات مع إعادة بناء الاقتصاد الأفغاني لتوفير فرص عمل للسكان، وتحويل النشاط الاقتصادي لمجالات مثمرة تحقق نموا اقتصاديا في البلاد، ما يستوجب تحرك الدول المانحة، لتوفير منح مالية يتم توظيفها في مشروعات استثمارية تضمن دخلا للبلاد، وفرص عمل للأسر الأفغانية.

وقد اقترحت روسيا خطة لتحقيق ذلك، دعما ماليا يقدر بنحو ملياري دولار، إلا أن الناتو والولايات المتحدة لم يتجاوبا مع المقترح الروسي. وسبق أن قدمت كل من روسيا والصين لواشنطن والاتحاد الأوروبي، قائمة بأسماء خمسة وعشرين شخصا يهيمنون على تجارة المخدرات الأفغانية في العالم، ويقال إن ضمن القائمة شخصيات أفغانية كبيرة وأميركيين، وحتى شخصيات روسية، لكن الغربيين لم يعيروا الأمر أي اهتمام، بحجة أنه من الصعب إثبات هذا الاتهام على هؤلاء الأشخاص.

لقد أصبحت الأزمة الأفغانية عقبة حقيقية في طريق تحقيق الأهداف المعلنة للسياسات الأميركية، وتؤثر بشكل سلبي على شعبية إدارة أوباما، ليس فقط بسبب ارتفاع أعداد القتلى في صفوف القوات الأميركية، وإنما أيضا لأن الاستراتيجية العسكرية الأميركية شهدت تغييرات جذرية، بعد أن تخلى العسكريون الأميركيون عن نظرية الحفاظ على القدرة القتالية لقواتهم المسلحة، واعتماد سياسة رفع درجة التأهب لصد «عدد أكبر من التهديدات الأمنية»، بهدف تقليص نفقات الدفاع.

وكلما زادت الخلافات بين موسكو وواشنطن حول الأوضاع في أفغانستان، كلما زاد الانشقاق داخل التحالف الدولي هناك، وكلما زاد معه عمق وظلام النفق الأفغاني.

كاتب روسي

Email