الثورات الشعبية تقترب من روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن ما يحدث من ثورات شعبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أمر ملفت للنظر ومثير للاهتمام على جميع المستويات الإقليمية والدولية، ويداعب بشكل كبير أحلام وطموحات المعارضة في كافة أنحاء العالم، وخاصة في البلدان التي تحكمها أنظمة لسنوات طويلة. وقد أحدثت الثورتان الشعبيتان في تونس ومصر ردود فعل قوية في كافة بلدان العالم، كما أنهما تسببتا في قلق وتوتر كبيرين لدى الكثير من أنظمة الحكم، سواء المستبدة منها أو حتى غير المستبدة.

فقد داعبت نجاحات الثورتين أحلام المعارضة في العديد من دول العالم، ولا يستبعد أن يثور بعض الأقليات الطائفية والعرقية في بعض الدول المستقرة والديمقراطية، مطالبة بحقوق لها بوحي من هاتين الثورتين، كما بدأت المعارضة في روسيا تتحرك على أصداء هاتين الثورتين، محاولة تحقيق مكاسب سياسية ضد نظام حكم مدفيديف وبوتين.

أما القلق الأكبر والتوتر فسيكون في الدول ذات الأنظمة المستبدة طويلة العمر، وخاصة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، هذه الجمهوريات التي خرجت من عباءة النظام الشيوعي الشمولي الدكتاتوري، لتقع في أيدي أنظمة أسوأ منه بكثير، وتجمع بين الشمولية والدكتاتورية من جهة والفساد السياسي والمالي من جهة أخرى، وقد تحول بعض هذه الأنظمة إلى نظام «الحكم الأبوي»، وهي مرحلة أعلى من الدكتاتورية وأسوأ منها، حيث يحاط الحاكم بهالة من القدسية يتحول فيها إلى نصف بشر ونصف ملاك، وذلك باستخدام وسائل الإعلام المضللة للشعوب.

الأمثلة على الأنظمة طويلة العمر على الساحة السوفييتية السابقة كثيرة، منها نظام الرئيس ألكسندر لوكاشنكو في بيلاروسيا، والذي يحكم منذ أكثر من ستة عشر عاما عانت فيها بلاده الكثير من الأزمات ولم ينهض اقتصادها حتى الآن، ويمارس شتى أنواع القمع والاستبداد مع المعارضة. وهناك نظام الرئيس سلطان نزارباييف في كازاخستان.

والذي يحكم البلاد من قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، ومنذ أشهر قليلة قرر البرلمان في كازاخستان منحه لقب زعيم الأمة مدى الحياة، وذلك بدون انتخابات، ويذكر أنه بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة الشعبية في مصر، أعلن نزارباييف أنه سيجري انتخابات رئاسية قريبا، متنازلا عن وصف «الزعيم مدى الحياة»، وفي طاجيكستان الرئيس إمام علي رحمانوف يحكم منذ عام ‬1992 حتى الآن، وتجري انتخابات رئاسية كل سبع سنوات يفوز فيها بأعلى نسبة من الأصوات مثل الانتخابات في بعض دول الشرق الأوسط.

وفي أوزبكستان نظام الرئيس إسلام كريموف الذي يحكم هناك من قبل انهيار الاتحاد السوفييتي حتى الآن، وكان حتى عام ‬2005 من أقرب الحكام المقربين لواشنطن وحلف الناتو، ومن أشد المناهضين لروسيا، وكاد نظام كريموف في عام ‬2005 أن يواجه نفس مصير النظامين في مصر وتونس، وبثورة شعبية دعمتها واشنطن، لكنه نجا من السقوط وبقي في الحكم بفضل دعم روسيا والصين له، بعد أن طرد القاعدة الأميركية من بلاده.

وفي تركمانستان كان هناك نظام الحكم المقدس للرئيس الراحل صابر مراد نيازوف، الذي مات عام ‬2006، وكان يحكم من قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، كما كان يلقب «أبو الشعب» وكانت تماثيله الضخمة العملاقة تملأ الشوارع والميادين، وصوره في كل مكان ومطبوعة على عملة البلاد، ووصل به الأمر أن غير أسماء الشهور ليطلق اسمه هو على شهر يناير، واسم زوجته على فبراير وأبيه على مارس، ولم تكن عنده انتخابات ولا استفتاءات، فقد كان زعيما مدى الحياة.

هذه الأنظمة كانت مثلها مثل الكثير من الأنظمة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم، تعتمد في الأساس على قمع الشعوب وتغييب إرادتها، وكانت تتشدق بالديمقراطية وشعارات الحرية، إغراقا في الكذب حتى تصدق نفسها من شدة النفاق التي تحاط به من جوقة المنتفعين والانتهازيين، وكثير من هذه الأنظمة كان يحظى برضى كبير من واشنطن والغرب، بحكم المصالح الاستراتيجية التي تربطهم بها. وكما حدث في مصر وتونس، كانت واشنطن تبادر بالتخلي عن أي نظام حليف لها عندما يثور شعبه ضده، وتنشغل في إعداد البديل من معارضيه ليحل محله.

مع اشتعال الأحداث في الشرق الأوسط، وانتشار المد الثوري الشعبي بعد تونس ومصر إلى بلدان أخرى مجاورة، تعيش هذه الأنظمة الحاكمة في الفناء السوفييتي السابق حالة من الهلع والتوتر، فقد ألهمت ثورتا تونس ومصر الشعوب في كل أنحاء العالم، مفاهيم وأساليب جديدة في الثورات الشعبية، لا تصلح معها كافة أساليب القمع والإرهاب الذي تمارسه الأنظمة المستبدة الحاكمة في العديد من أنحاء العالم.

وحتى الأنظمة غير المستبدة التي تقدم إنجازات ملموسة وتحظى بتأييد من شعوبها، هي أيضا لن تكون بمنأى عن هذا المد الثوري الشعبي، فلهذه الأنظمة أعداؤها وخصومها ومعارضوها السياسيون، وهؤلاء يملكون أساليب اللعب على مشاعر الشعوب وتغيير الحقائق، مستغلين الحماس الثوري لدى بعض الفئات من الشعب وخاصة الشباب.

وكثير من الثورات التي جرت وراءها الشعوب بدون وعي، كانت لتحقيق مصالح فئات وجهات محددة، ومثال واضح على ذلك؛ الثورات الملونة التي دعمتها واشنطن في أوكرانيا وجورجيا وغيرهما. ومن الممكن أن تشهد روسيا ما يشبه ذلك، خاصة وأن أعداء النجاح والإنجازات التي حققها نظام بوتين ومدفيديف، كثيرون ومدعومون من الخارج بقوة، وينتظرون الفرصة للانقضاض.

 

 

 

 

Email