ماذا يفعل بايدن في موسكو؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقات بين واشنطن وموسكو من الصعب فهمها في الوقت الحاضر، فهي على المستوى الدبلوماسي جيدة للغاية، لكن على أرض الواقع لا جديد فيها يدعو للتفاؤل. ويمكن القول إن هناك مصالح متبادلة، وليست مشتركة بين الطرفين، بمعنى الأخذ والعطاء، وهذا في الواقع شكل من العلاقات غير متوفر بين الولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى في العالم، أما روسيا فقد كانت دائما في علاقة ندية مع الولايات المتحدة، تؤهلها لأن تطلب المقابل لأي عطاء لها، حتى في فترة الانهيار في سنوات التسعينات الماضية.

هذا الحديث يأتي بمناسبة الزيارة الهامة والمثيرة للتساؤلات والجدل، التي قام بها في التاسع من مارس الجاري نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لموسكو، والتي قيل إنها في إطار التقارب وإعادة تشغيل العلاقات بين البلدين والإعداد لزيارة الرئيس أوباما القادمة لروسيا. وهذا الأمر يحتمل الشك والجدل، أولا لأن الإعداد لزيارة أوباما لروسيا شأن دبلوماسي بحت، يفترض أن تتولاه وزارة الخارجية وليس نائب الرئيس، أما التفاهم والتقارب بين موسكو وواشنطن فهو أبعد ما يكون عن نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، المعروف عنه أنه شخصية غير مرغوب فيها في موسكو، بسبب مواقفه وآرائه الحادة تجاه السياسة الروسية، والتي عبر عنها منذ توليه منصبه بجوار الرئيس أوباما، وخاصة أثناء زياراته وجولاته المستفزة لموسكو، في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ومنها زيارته لجورجيا في يوليو ‬2009، والتي أدلى فيها بتصريحات وصلت لحد وصف روسيا بالدولة الاستعمارية المحتلة لأراضي جورجيا، ويقصد جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللتين اعترفت موسكو باستقلالهما عن جورجيا.

وتأتي زيارة بايدن المفاجئة لموسكو، في ظل مناخ عالمي متوتر للغاية بسبب الأحداث المتصاعدة في الشرق الأوسط، وخاصة في ليبيا. ورغم حديث بايدن للصحفيين في موسكو عن اهتمام واشنطن بتطوير التعاون الاقتصادي وتبادل التكنولوجيا الحديثة مع روسيا، إلا أن أحدا لم يقتنع بأن زيارة بايدن تتعلق بشأن اقتصادي بحت، خاصة وأن الوفد المرافق لنائب الرئيس الأمريكي يغلب عليه الطابع الأمني والاستراتيجي. كما أن بايدن ركز في حديثه في موسكو على القول بأن العلاقات مع روسيا تعتبر إحدى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث قال: «كان هناك مشككون يؤكدون أنه لن يتحقق أي تقدم في أول سنتين بعد تسلم أوباما منصب الرئاسة، وقد برهنا على أنهم غير صائبين، إذ تم إحراز التقدم في العديد من المسائل الهامة، بما فيها المسائل الاستراتيجية»، وأكد بايدن أنه كان ولا يزال «يكن الاحترام لروسيا كدولة عظمى». هذا الحديث من الممكن أن يكون عاديا لو صدر من أي مسؤول آخر في واشنطن، ما عدا نائب الرئيس جو بايدن، الذي دأب دائما منذ توليه منصبه على وصف روسيا بصفات أقرب للعدو منها للصديق.

الجدل في موسكو بشأن زيارة بايدن، يدور حول مساعي واشنطن لاتخاذ موقف أو خطوة عملية تجاه نظام القذافي في ليبيا، ويقال من مصادر مقربة من الكريملين أن بايدن حاول في موسكو معرفة إلى أي مدى روسيا مستعدة لدعم الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على ليبيا، وربما حاول جس نبض موسكو تجاه احتمال توجيه ضربة عسكرية لليبيا، حتى لو كانت ضربة محدودة بهدف إقصاء القذافي عن الحكم فقط، وليس أكثر. بمعنى أن تعطي واشنطن تعهدا لروسيا بألا تبقى أية قوات أمريكية في ليبيا يوما واحدا، بعد إقصاء القذافي عن الحكم.

موسكو أعلنت منذ البداية رفضها القاطع لأي تدخل عسكري في ليبيا، ولم يكن هذا موقف روسيا وحدها، بل كان كذلك موقف الأوروبيين وحلف الناتو أيضا، ولكن على ما يبدو فإن الأمور تغيرت في الأيام القليلة الماضية، حيث أبدت فرنسا موافقتها على توجيه ضربة عسكرية، بينما صرحت قيادة الناتو بأنها تدرس الموقف على الساحة «الميدانية»، وأبدت جهات أوروبية أخرى استعدادها لإمداد المعارضة الليبية بالسلاح. وحتى الموقف الإيطالي الذي كان مؤيدا للقذافي تغير كثيرا، والآن لم يعد هناك سوى روسيا التي لو وافقت سيصبح الموقف الصيني شبه مضمون، حيث يرى الأمريكيون أن الصين لا يمنعها من تأييد واشنطن سوى الموقف الروسي.

مع هذا الافتراض السائد، يصبح السؤال الهام هو؛ إلى أي مدى كانت مهمة بايدن في موسكو ناجحة؟

ظاهر الأمور أن الزيارة كانت ناجحة، وتعكس ذلك تصريحات بايدن بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق في ما يتعلق بالمنظومة المشتركة للدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا، وأيضا تصريحات بايدن باقتراب موعد انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية، وتعهده بإقناع جورجيا بعدم الاعتراض على عضوية روسيا في المنظمة. هذا جزء من المعلن، أما غير المعلن فمن المؤكد أن واشنطن ستضمن لروسيا مصالحها وتعاقداتها السابقة في ليبيا.

ويبقى القرار في النهاية لموسكو وللكريملن، الذي أصدر في أعقاب انتهاء زيارة بايدن مرسوما بـ «حظر توريد كافة أنواع الأسلحة والمواد المتعلقة بها، بما فيها الذخائر والعربات القتالية والعتاد الحربي والتجهيزات العسكرية وقطع الغيار، إلى ليبيا من روسيا الاتحادية. كما يحظر بيع وتسليم كل ذلك إلى ليبيا، عبر أي وسطاء خارج أراضي روسيا الاتحادية»، هذا المرسوم يعطي مؤشرات واضحة على نجاح مهمة بايدن، والبقية تأتي.

 

Email