موسكو وواشنطن تقارب من أجل الطاقة

حرص نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن على إجراء لقاءات مكثفة مع كافة مراكز صناعة القرار في موسكو، وللمرة الأولى حمل لقاءه مع ممثلي منظمات حقوق الإنسان والمعارضة طابعا شكليا، يتحدث عن رغبة واشنطن في عدم الإخلال بتقاليدها والتزاماتها تجاه المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، رغم أنه كالعادة لا تثمر هذه اللقاءات عن أية نتائج ملموسة، ولهذا لا تزعج السلطات الروسية في شيء.

ورغم التوقعات الكثيرة بأن لقاء بايدن ــ ميدفيدف سيتناول أبرز الملفات الساخنة، وخاصة تطورات الوضع في ليبيا ومشروع الناتو بنشر درع صاروخية أوروبية. إلا أن بايدن حرص على أن تتركز لقاءاته على جوانب التعاون الاقتصادي بين روسيا والولايات المتحدة.

ومهد نائب الرئيس الأميركى للقاءاته بتصريحات أكد فيها قناعة إدارة الرئيس أوباما بأن انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية وإلغاء تعديل «جاكسون- فينيك»، الذي كان يفرض عوائق كثيرة في التعاملات الاقتصادية والتجارية مع روسيا يصبان في مصلحة كل من موسكو وواشنطن على حد سواء. بل واعتبر بايدن انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية وسيلة هامة وأساسية لتعميق وترسيخ علاقات روسيا الاقتصادية مع الولايات المتحدة والعالم ككل، شريطة أن تكون ممارسة التجارة وفق قواعد مفتوحة وشفافة.

لقد بحث بايدن مع رئيس الحكومة فلاديمير بوتين عدد من ملفات التعاون الاقتصادي، كان أبرزها التعاون في مجال تصنيع الطائرات المدنية العملاقة.

ويمكن القول بأن توجه إدارة أوباما نحو تطوير الجانب الاقتصادي لعلاقات التعاون بين موسكو وواشنطن، والذي أعلن عنه صراحة جوزيف بايدن في موسكو يعكس رؤية جديدة لدى الإدارة الأميركية، تنطلق من تنفيذ أبرز محاور برنامج أوباما للناخبين، وهو الانفتاح على العالم بدون حواجز سياسية أو أيديولوجية، وترك سياسة العداءات التقليدية التي أصبح الشعب الأميركي لا يصدقها بعد انتشار نزعات الكراهية للولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم، زيارة بايدن هي محاولة لبلورة منهج جديد يقوم على التعاون لتجنب مخاطر الأزمات العالمية، ومراحل الكساد والهبوط الاقتصادي. والتي تنعكس على مستوى معيشة المواطنين وبالتالي تؤثر وبشكل كبير على نفوذ ودور الإدارة الأميركية وتدفعها أحيانا لحلول جنونية، لتجنب هذه الأزمات على غرار تنشيط الإنتاج العسكري وإشعال بؤر التوتر لخدمة النهوض بتسويق المنتجات العسكرية.

وفى ظل تقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، بل وعودة ارتفاعها خلال الأسابيع الأخيرة، أصبح وضع الاقتصاد الأميركي معقدا، خاصة وأن النفط يشكل نحو ‬40 بالمائة من الاستهلاك القومي للطاقة في الولايات المتحدة بينما يقدر حجم استهلاك الغاز الطبيعي بحوالي ‬24 بالمائة. ما يجعل الاتفاق بين موسكو وواشنطن في مجالات الطاقة، أمرا حيويا بالنسبة لدعم الاقتصاد الأميركي الذي أصبح مهددا في الفترة الأخيرة بسبب الثورات التي يشهدها الشرق الأوسط والتي وصلت عمليا إلى منابع النفط، هذه الثورات التي يتوقع معها الخبراء توترات حادة في أسواق الطاقة العالمية سوف يكون لها بالغ الأثر السلبي على اقتصاديات الدول الكبرى التي تستهلك وحدها أكثر من نصف الإنتاج العالمي من الطاقة، سواء من النفط أو الغاز.

ويمكن القول أن الحملة العسكرية الأميركية ضد العراق وصلت اليوم إلى أزمة حقيقية بعد أن بدأت تجتاح العراق المظاهرات المليونية على غرار مظاهرات مصر، بينما تواجه ليبيا حربا أهلية تسببت في تناقص واردات ليبيا النفطية للأسواق العالمية.

ويمكن لواشنطن توفير موارد مالية بشكل مؤقت لتحقيق الاستقرار في قطاع الطاقة، ولكنها لا تستطيع أن تستمر في ذلك لفترة طويلة، وخاصة في هذه الفترة الصعبة التي تمر الولايات المتحدة خلالها بمرحلة انتقالية تتزايد فيها احتياجاتها للطاقة، ما يفسر اهتمام واشنطن المتزايد بالواردات النفطية المباشرة من روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة التي تتحكم روسيا في نقل معظمها عبر خطوطها إلى كل أنحاء العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن حجم واردات النفط الروسية عام ‬2005 إلى الولايات المتحدة بلغ ‬3 بالمائة، فيما بلغت الواردات الكندية نحو ‬18 بالمائة، والواردات السعودية حوالي ‬14 بالمائة. بينما يقدر احتياطي النفط الروسي المتاح نحو ‬12 بالمائة من الاحتياطي العالمي. ما يعنى أن النفط الروسي يمكن أن يغطى ‬15 بالمائة من احتياجات الولايات المتحدة.

لذا يمكن القول بأن واشنطن لها مصلحة خاصة في الحقول في منطقة سخالين في أقصى شرق روسيا، والتي يمكن أن تلبى احتياجات الولايات الغربية في الولايات المتحدة عبر المحيط الهادئ، إضافة لمنابع النفط وموارد الغاز في سيبيريا الشرقية وبحر بارنتس في القطب الشمالي.

لاشك أن احتياج واشنطن لضمان إمداد مستقر للطاقة، دفعها لبحث إمكانية التعاون مع موسكو في هذا المجال، بل وجعلها تجرى تغييرات جذرية في سياساتها تجاه روسيا.

ولابد من الإشارة إلى انه في عام ‬2008، وقبل تولى أوباما رئاسة الولايات المتحدة، كان يقييم ‬17 ٪ فقط من الروس السياسية الأميركية بشكل إيجابي، فيما ارتفعت هذه النسبة إلى ‬60 ٪ خلال العام الحالي. وفي عام ‬2008 أيضا أدرج الأميركيون روسيا على قائمة الدول الخمس التي تشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة. بينما ‬2 بالمائة فقط من الأميركيين اعتبروا عام ‬2011 أن هناك تهديدا قادما من روسيا. ما يعنى أن «إعادة إطلاق» العلاقات باتت ضرورة ملحة للبلدين وكافة أطراف المجتمع الدولي.

خبيرة الطاقة الروسية

الأكثر مشاركة