الشفافية ضرورية في أزمة البحرين

كلما هممت بتشغيل جهاز التلفزيون لمشاهدة الأخبار، أستعدّ لرؤية مشاهد العنف والبؤس والدمار. فما إن دقّت الساعة معلنةً بداية عام ‬2011 حتى جُنّ جنون عالمنا. وأكبر جنون في نظري هو ما يحصل في البحرين، التي كانت تُعتبَر قبل بضعة أسابيع فقط معقلاً للاستقرار والازدهار.

ولعل ما يضاهيه جنوناً هو تغطية وسائل الإعلام الإقليمية للأحداث هناك. ينأى بعض المحرّرين المحليين بأنفسهم عما يجري في البحرين أو يختصرون المساحة المخصّصة له، فيما تُحرِّف الصحف الدولية التقارير وتصوِّر الأمور من وجهة نظر مؤيِّدة للمتظاهرين. وبعض أبرز الأسماء في الإعلام العربي تشيح بنظرها كلياً عن المستجدّات هناك، وكأن لا شيء يحصل في البحرين.

والصحف الإقليمية خجولة بالدرجة نفسها. كما أن هناك من يصف الأحداث بأنها ليست مذهبية الطابع، في حين أن الاحتجاج الذي بدأ سلمياً اختطفه متشدّدون تحرّكهم أجندة معيّنة.

ويضع البعض هالات فوق رؤوس المتظاهرين، مع العلم بأن عصابات مقنَّعة ألقت قنابل حارقة على القوى الأمنية، وتعرّضت بالضرب لعمّال باكستانيين وهنود، كما أن حشوداً غاضبة اقتحمت مرفأ البحرين المالي، فهاجمت امرأة وألحقت أضراراً بسيّارتها.

يجب أن يكفّ الإعلام عن إهانة ذكائنا. لا يمكن إخفاء الأخبار وحجبها عنّا، فالناس يتحوّلون ببساطة إلى القنوات الفضائية الأجنبية التي تبثّ آراءها المنحازة، وقد يتوصّلون إلى استنتاجات منافية للواقع.

فضلاً عن ذلك، ينبغي على الدول أن تكون أكثر صدقاً مع شعوبها (تتعرّض السلطات اليابانية لانتقادات شديدة الآن، لأنها لم تكشف عن الحجم الكامل للكارثة النووية). لا يجوز أن ندفن رأسنا في الرمال. إذا تحلّت الحكومات بالشفافية، فسوف يتعاون الناس معها لحماية أرضهم.

لنكن واضحين. قد تكون الانتفاضات الشعبية ظاهرة رائجة، لكن يجب التعامل مع كل بلد على حدة. فلا ضير في دعم تطلّعات شعب مظلوم وجائع، ولكن في حالة البحرين، أنا مقتنع بأن هناك قوى أخرى تحرّك منظّمي الاحتجاجات. الشهر الفائت، فوّض ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ولي العهد سلمان بن حمد، الشروع في حوار مع المجموعات المعارضة. وقد تحدّث ولي العهد عبر التلفزيون الرسمي البحريني، موجِّهاً دعوة للوحدة ورص الصفوف. لكن نداءه لم يلقَ آذاناً صاغية. ومنذ ذلك الوقت، يشلّ المتظاهرون العاصمة المنامة، ويطالب كثرٌ بتنحّي الملك. يقولون إنهم يريدون إلغاء الملَكية واستبدالها بنظام ديمقراطي، في حين أن ما ينشدونه فعلاً هو دولة تدور في الفلك الإيراني.

لا بد لمن يعتبرون أن نجاح الانتفاضة لا يصب في مصلحة إيران، أن يتذكّروا المطالب الإيرانية بضم الجزيرة، ويصغوا إلى أصوات الاعتراض والاستهجان الصادرة عن تلك الجارة المخيفة. فطهران التي تعامل المعارضين في الداخل بهمجيّة وتزجّ كبار الشخصيات المعارضة في السجون، لا يحقّ لها أن توجّه أصابع الاتهام إلى القيادة البحرينية لأنها طلبت المساعدة من مجلس التعاون الخليجي.

كان الهدف من إرسال مجلس التعاون الخليجي قوات إلى البحرين، هو حماية منشآت الدولة. وكانت أيضاً خطوة تضامنية ورسالة موجَّهة إلى طهران، بأن البحرين ليست لقمة سائغة. وقد طُبِّق هذا الإجراء بصورة قانونية، بما يتماشى مع المبادئ المنصوص عليها في معاهدة «قوات درع الجزيرة» المعمول بها في مجلس التعاون الخليجي.

لا يستطيع مجلس التعاون الخليجي أن يسمح لإيران بأن تمارس تأثيرها كما يحلو لها. إذا نجح بحرينيون ذوو ولاءات مشبوهة، مع العلم بأنهم أقلّية، في إنشاء كيان يدور في الفلك الإيراني ولا يشكّل بعد الآن منطقة عازلة بين السعودية وإيران، فسوف تُنتهَك سلامة الأراضي في منطقة الخليج بكاملها، وسوف يميل ميزان القوى الإقليمي لصالح طهران. ومن شأن ذلك أن يُغيِّر أيضاً الطابع التاريخي الليبرالي والمنفتح الذي تتميّز به البحرين. من المعلوم أن البحرين تضم قاعدة للأسطول الخامس الأمريكي، ولذلك أجد موقف واشنطن السلبي من تدخّل مجلس التعاون الخليجي، مثيراً للحيرة. فقد اعتقدنا في البداية أن البيت الأبيض بارك هذا التدخّل، بما أنه حصل عقب اجتماع بين وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس والملك حمد. لكن المسؤولين الأمريكيين سارعوا إلى نفي معرفتهم المسبقة به. هل تصدّقون ذلك؟

هالتني التعليقات التي أدلت بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لقناة «سي بي إس» يوم الأربعاء، وجاء فيها أن الدول الأربع الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التي أرسلت قوات إلى البحرين «تسلك المسار الخطأ»، مضيفةً «لا يجوز الرد أمنياً على تطلّعات المتظاهرين ومطالبهم». تُرى ما هو الحل الذي يدعمه الأمريكيون بعدما رفض المتظاهرون التفاوض؟

وكأنه لا يكفي سوءاً تقديم العراق هديّة لإيران، فها هي الولايات المتحدة تبدو مصمِّمة الآن على وهب البحرين لطهران، فيما تشجب حلفاءها في مجلس التعاون الخليجي لاتّخاذهم خطوة حاسمة، لا تخدم مصالح البحرينيين المحبّين للسلام وحسب، إنما أيضاً مصالح أمريكا.

أنا على يقين من أن الملك حمد يتألّم كثيراً للاضطرابات التي تشهدها بلاده، والتي تسبّبت في سقوط عدد من القتلى والجرحى. لكنه يواجه معضلة كبرى؛ تُغلِق المصارف الأجنبية فروعها، ولا تستطيع البورصة البحرينية استئناف العمل، وتدعو بلدان عدّة رعاياها لمغادرة البلاد بأسرع وقت. البحرين هي من أكبر المراكز المصرفية في المنطقة، ولا تستطيع أن تخسر مصداقيّتها الدولية التي تجعل منها مكاناً آمناً ومستقرّاً للمستثمرين. الكرة الآن في ملعب المتظاهرين. يجب أن يتوقّفوا عن تجاوز الخطوط الحمراء، وإلا لن يدمّروا بلدهم وحسب، بل قد يتسبّبون أيضاً في إشعال نزاع إقليمي كبير. السبيل الوحيد كي يمضي كل الأطراف قدماً، هو الحوار؛ وأي شيء آخر يقود حتماً إلى تدمير الذات.

أخيراً، أناشد السلطات ووسائل الإعلام في المنطقة، التوقّف عن معاملة الناس وكأنهم قاصرون، وأناشد حكومات مجلس التعاون الخليجي التصرّف من دون العودة إلى الحلفاء الغربيين المتقلّبين، والذين يضعون مصالحهم الذاتية فوق كل اعتبار وينقلبون على «أصدقائهم» بلمح البصر تحقيقاً لمآربهم. إنها مشكلتنا نحن، ومسؤولية إيجاد حل لها تقع على عاتقنا نحن دون سوانا.

 

الأكثر مشاركة