فرنسا تعتبر ساكاشفيلي «قذافي آخر»

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثير من القادة والحكام منحهم الغرب من قبل لقب القذافي، ومنهم على سبيل المثال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، وموراليس رئيس بوليفيا، وأيضاً رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو الذي كانوا يطلقون عليه في الاتحاد الأوروبي اسم «قذافي أوروبا»، ولكنهم عدلوا عن نعته بهذا الاسم وأصبحوا يجاملونه وينافقونه، بعد أن توترت علاقاته مع روسيا.

والآن مع تصاعد الأحداث في شمال إفريقيا، ومع ظهور تداعيات للمد الثوري الشعبي في عدة دول خارج المنطقة العربية، ومع بدء العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولية على ليبيا، بادر بعض الحكام الذين يشعرون بعدم استقرارهم على كرسي الحكم، بتجميع قواهم وفرقهم الأمنية استعداداً للمد الشعبي القادم والمتوقع لديهم، ومن هؤلاء رئيس جمهورية جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي، الذي حملته للحكم الثورة الوردية المدعومة علناً من واشنطن عام ‬2003، واعتبره جورج بوش الابن نموذجاً للديمقراطية الحقيقية التي تسعى الولايات المتحدة لنشرها في أنحاء العالم.

وخاصة في الشرق الأوسط (كما قال بوش)! هذا على الرغم من أن ساكاشفيلي ضرب في جورجيا أكبر مثل للاستبداد بالحكم، وأطاح بكل رفاقه في الثورة الوردية، ولم يعطهم أية فرصة لمشاركته في الحكم، فانقلبوا جميعاً لجبهة المعارضة ضده، وعلى رأسهم رفيقته والقائدة الحقيقية للثورة الوردية، رئيسة البرلمان «نينو بورجاندزة»، والتي كانت من أشد أنصار واشنطن ومن أشد الرافضين للتعاون مع موسكو، وها هي الآن تتزعم المعارضة ضد ساكاشفيلي، وتلجأ لموسكو تطلب دعمها وتقدم هي ورفاقها لروسيا الاعتذارات عن أخطاء ساكاشفيلي تجاهها، وخاصة الحرب الطائشة التي شنها على جمهورية أوسيتيا الجنوبية الصغيرة في أغسطس عام ‬2008، وقتلت قواته فيها أكثر من ألف مواطن أوسيتي معظمهم من النساء والأطفال.

الآن ينظر البعض في الغرب إلى ساكاشفيلي في جورجيا وكأنه «قذافي آخر» يجب التخلص منه، وقد فاجأت فرنسا باقي العالم منذ أيام قليلة، حين أصبح رئيسها ساركوزي أول زعيم غربي يعلن عن بدء الهجوم الجوي على ليبيا. وكأن فرنسا تذكرت فجأة أنها كانت ذات يوم في التاريخ، القوة العالمية الأعظم وكان لها النفوذ الأكبر بين الامبراطوريات الاستعمارية في شمال إفريقيا، فعادت لتمارس دورها في التدخل في شؤون الدول الأخرى.

ومع بداية عمليات فرض الحظر الجوي على ليبيا خرج السفير الفرنسي في جورجيا بتصريحات تشبه إلى حد كبير تصريحات الأميركيين والبريطانيين، حيث قال السفير الفرنسي إن هناك ما ينذر بوقوع كارثة إنسانية واجتماعية في جورجيا، وأن نظام الرئيس ساكاشفيلي يستجمع قواه ليحكم قبضته الأمنية على الشعب وعلى المعارضة، ويسعى لبناء «دولة بلشفية جديدة» أسوة بالزعيم السوفييتي الجورجي الأصل «ستالين». واتهم السفير الفرنسي ساكاشفيلي بالدكتاتورية والطغيان وقمع الحريات، واستند السفير في حديثه إلى تقرير منظمة «المجتمع المنفتح» غير الحكومية، الذي كشف عن أعمال قمع وفساد كبير في جورجيا يمارسها نظام ساكاشفيلي، الذي يريد أن ينضم لحلف الناتو ويعتبر بلاده جزءاً من أوروبا الديمقراطية. وعبر السفير الفرنسي في تصريحاته، عن مشاعره بوجود أوجه تشابه كثيرة بين الرئيس ساكاشفيلي في جورجيا والقذافي في ليبيا، حيث كلاهما تفوح منه رائحة الاستبداد.

ما قاله السفير الفرنسي لا يختلف عما تقوله المعارضة الجورجية التي تطالب بتنحية ساكاشفيلي، لأنه يجمع السلاح من كل أنحاء العالم بشكل سري ويحشد قواه العسكرية استعداداً لخوض حرب جديدة يقول إنها من أجل تحرير الأراضي الجورجية، ويقصد هنا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين أعلنتا استقلالهما واعترفت بهما عدة دول. وساكاشفيلي يعلم جيداً أنه بخوضه أي حرب من هذا النوع سوف يصطدم حتماً بروسيا، باعتبار أن بين روسيا وهاتين الدولتين اتفاقيات دفاع مشترك.

روسيا التي تراقب جيداً ما يفعله ساكاشفيلي، وتعلم جيداً كم السلاح الذي يأتيه من الخارج ومصادره، لا تنوي أن تتخذ ضده إجراءً مسبقاً، لأنها تعلم جيداً أن شعبه يعمل على إسقاطه اليوم قبل الغد، ولا يريد أن ينتظر انتخابات الرئاسة القادمة. ولا تخفي موسكو دعمها للمعارضة الجورجية واستضافتها لرموزها، لكنه دعم سياسي ومعنوي بحت، لا تشوبه أية شبهة تدخل في الشؤون الداخلية لجورجيا.

الموقف الجديد لفرنسا تجاه ساكاشفيلي، يكشف عن شيء جديد ومهم أيضاً، وهو أن لدى فرنسا طموحات جديدة لممارسة وجودها الفعال في مناطق مختلفة من العالم، ومنها منطقة القوقاز في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، باعتبارها مناطق جديدة يطمح لها الجميع، وإبداؤها الانتقادات لنظام ساكاشفيلي هو رسالة رمزية للمعارضة الجورجية، لعلها تفهم أن باريس على الخط وأنها مستعدة لتقديم الدعم اللازم لها. ولا ننسى هنا أن باريس هي أول من اعترف بالمعارضة الليبية في الخارج، واعتبرتها النظام الشرعي للحكم في ليبيا، حتى قبل أن يجمع عليها الشعب الليبي الثائر ضد القذافي.

إذا كان هذا بالفعل مخططاً جديداً لاستعادة مكانة ونفوذ الإمبراطورية الفرنسية على الساحة الدولية، فعلى روسيا ألا تفرح كثيراً بالانتقادات التي توجهها فرنسا لنظام ساكاشفيلي في جورجيا، بل عليها أن تحترس من طموحات فرنسا الجديدة واقترابها من أراضيها.

 

Email