روسيا وأميركا وانتخابات الرئاسة القادمة

تشهد كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية انتخابات رئاسية في العام القادم ‬2012، وقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عزمه على خوض انتخابات الرئاسة الأميركية والترشح لفترة رئاسية ثانية، بل وكشفت مصادر من الحزب الديمقراطي الأميركي أن الحزب على وشك إعلان باراك أوباما مرشحا للحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وبدأت الحملات الدعائية الانتخابية على مواقع الحزب والرئيس، والتي لجأت لعرض آراء مؤيدة لأوباما من المواطنين الأميركيين. ويتوقع المحللون الأميركيون أن أوباما خلال الفترة القادمة، يمكن أن يحقق رقما قياسيا في حجم التبرعات التي سيتم جمعها لدعم حملته الانتخابية، ولم يستبعد البعض أن تتجاوز المليار دولار.

اللافت أن أوباما أعلن عن عزمه على الترشح في الفترة التي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، حيث كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت الشهر الماضي، أن نحو ‬42٪ فقط من الناخبين يدعمون سياسة أوباما ويعتقدون أنه يدير شؤون البلاد بشكل مقبول. واعتبر أكثر من ‬52٪ أن الرئيس الأميركي أوباما لا يستحق أن ينتخب لفترة رئاسية ثانية، فيما أعرب نحو ‬41٪ عن تأييدهم لترشح أوباما لمنصب الرئاسة في انتخابات عام ‬2012. وقد أعرب ‬46٪ عن ارتياحهم لسياسات أوباما الخارجية، والإجراءات التي تتخذها إدارته لحماية الأمن الوطني الأميركي، فيما أعرب أغلبية المواطنين عن قلقهم من ارتفاع معدلات البطالة، وتوسع الأزمة الاقتصادية، وازدياد ديون الدولة.

وقد واجه أوباما مؤخرا انتقادات من جانب الجمهوريين والديمقراطيين لأسلوب التعامل مع الأزمة الليبية، واعتبر خصومه أن أوباما تسرع في إرسال قوات للقتال دون تحديد المهمة بشكل مناسب، ويرى المراقبون أن أوباما سيواجه في الانتخابات القادمة حملة جمهورية شرسة للغاية، وأقوى بكثير من حملة الانتخابات الماضية، إلا أنه ما زالت لديه فرص كثيرة لاستعادة شعبيته.

بالنسبة لروسيا، لا بد من الاعتراف بأن العلاقات الروسية الأميركية أصبحت متميزة في عهد الرئيس باراك أوباما، مقارنة بما كانت عليه في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن. وتعتبر موسكو أن العلاقات بين البلدين تخلصت من الكثير من الترسبات الإيديولوجية المصطنعة والموروثة عن الحرب الباردة، والتي كانت تعرقل التعاون بين موسكو وواشنطن خلال ولاية الإدارة الأميركية السابقة، إذ توصل البلدان إلى الكثير من الاتفاقات، من أهمها التوقيع على المعاهدة الجديدة حول الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية «ستارت‬3»، كما شكل الرئيسان الروسي والأميركي لجنة رئاسية لتطوير العلاقات الروسية ـ الأميركية، تضم ‬20 فريق عمل تعمل بشكل نشيط في مجالات التحديث التكنولوجي والطب وصناعة الطاقة وترشيد استهلاكها، بالإضافة إلى مشاريع التعاون الثقافي والإنساني. إضافة إلى أن نجاح برنامج أوباما لإصلاح أوضاع الاقتصاد الأميركي، سيساعد على انتقال الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الخروج من الأزمة، وسيدعم سياساته الخارجية التي تتميز بالمرونة والواقعية، على عكس سياسات سلفه جورج بوش، الذي كان يلجأ إلى استخدام القوة في تسوية خلافات واشنطن مع بقية أطراف المجتمع الدولي، وهي السياسة التي من المؤكد أن أي رئيس جمهوري سيأتي إلى البيت الأبيض سوف يتبعها.

ويسود اعتقاد في موسكو بأن بقاء أوباما في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، يمكن أن يحقق نقلة نوعية جديدة في العلاقات بين واشنطن وموسكو، ويجعل التنسيق والتعاون يمتد إلى مجالات جديدة. بينما ترى أوساط سياسية أن إدارة أوباما، رغم نجاحها في إزالة التوتر الذي خيم على العلاقات بين البلدين، إلا أنها لم تحقق تقدما في النهوض بهذه العلاقات التي ما زالت تقف عند حدود الحرب الباردة.

وما زالت الأوساط الأميركية ترى أن التعاون مع روسيا، يتطلب من الكريملن تسوية المشاكل المتعلقة باحترام حقوق الإنسان في روسيا، والوضع في جورجيا، ومصير رجل الأعمال ميخائيل خودوركوفسكي السجين في موسكو. فيما تواجه روسيا مطالب الولايات المتحدة بمطالب متعددة، تتعلق بكوسوفو والعراق وأفغانستان والدفاع المضاد للصواريخ وتوسع حلف شمال الأطلسي، وجورجيا وليبيا، وأيضا معارضة واشنطن الحادة وغير المبررة لتعاون روسيا مع إيران وفنزويلا وسوريا.

ويرى فريق من الخبراء أن مصير كل من ميدفيدف وأوباما مرتبطان، باعتبار أن كلا من الرئيسين يمثل حالة سياسية ليبرالية بعيدة عن التشدد. وقد عكس السياسيون الروس رؤيتهم هذه في إعادة صياغة توجهات السياسية الخارجية للبلاد، لتعتمد مبدأ التعاون الدولي كأساس، ما يعني أن حلفاء روسيا الأساسيين في تحقيق الاستقرار العالمي هم دول أوروبا والولايات المتحدة، باعتبار أن تحقيق الأمن والاستقرار هو السبيل لتوسع رقعة التعاون المتبادل، بهدف إخراج الاقتصاد العالمي من أزمته.

لا شك أن مستقبل العلاقات الروسية الأميركية يتوقف في العام القادم على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، رغم أن نفس العام سيشهد أيضا انتخابات رئاسة في روسيا، لكنها، في اعتقاد الكثيرين، لن تغير شيئا، لأنها ستنحصر في الخيارين اللذين يمثلان السياسة الحالية، وهما ميدفيديف وبوتين.