أزمة الناتو المعقدة في ليبيا

يواجه حلف شمال الأطلسي في ليبيا أزمة كبيرة، ويقدرها البعض بأنها أكبر من أزماته في أفغانستان، فقد دخل الحلف بعملياته العسكرية في ليبيا بشكل مكثف في الأيام الأولى بعد صدور القرار ‬1973، ثم ظهر تراجع كبير وتهدئة غير متوقعة، جعلت الثوار الليبيين المعارضين للقذافي ينهالون بالنقد والاتهامات على الحلف، خاصة بعد الهجمات الجوية التي أسقطت العشرات من القتلى والجرحى من الثوار، وهناك من يتحدث عن أرقام أعلى من ذلك، والتي أطلق عليها البعض اسم «النيران الصديقة».

 

هذه الهجمات التي قيل إنها أخطأت أهدافها، أثارت جدلاً واسعاً داخل قيادة حلف الناتو، خاصة بعد أن تحدث بعض الصحف الغربية عن قصف متعمد، وليس خطأ أو نيراناً صديقة، ونقلت هذه الصحف عن بعض المصادر أن هذه الطائرات استهدفت خلايا إسلامية متطرفة تقاتل إلى جانب الثوار، وهي رواية ما زالت تحتاج إلى المزيد من التدقيق،.

 

وإن كانت تدعمها مواقف وأقاويل أخرى، مثل أقوال الجنرال كارتر هام قائد القيادة الإفريقية للقوات المسلحة الأميركية، التي أدلى بها في شهادته أمام لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث قال إنه يعتبر «إمكانية نجاح الثوار في الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي تبدو ضئيلة، حتى في ظل وجود غطاء حلف الناتو ودعمه».

 

وطرح الجنرال «هام» أمام اللجنة سؤالاً خطيراً، لو كان طرح من قبل لما صدر قرار مجلس الأمن رقم ‬1973، حيث طالب الجنرال بمعرفة هوية المعارضة الليبية وانتماءاتها قبل مساعدتها أو تزويدها بالسلاح، متحججاً بأن هناك حاجة لضمانات بألا تقع الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة في أيدي منظمات متطرفة.

 

هذه التشكيكات والأقاويل المثارة على الجانب الأميركي، أثارت قلقاً وشكوكاً أكبر لدى الأطراف الأخرى في حلف الناتو، خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، إذ بدا لهم وكأن الولايات المتحدة تسعى للتنصل من المهمة في ليبيا لأسباب غير معروفة.

 

وإن كان الأمر بدا واضحاً بعد انسحاب الإدارة الأميركية وقواتها من الأعمال العسكرية ضد قوات القذافي في إطار حلف الناتو، وتسليم القيادة العسكرية للجنرالات البريطانيين والفرنسيين.

 

هذا الموقف لم يصدر حتى الآن تفسير واضح له، ما أثار حوله الشكوك، خاصة مع الإعلان عن الرسائل الخاصة التي أرسلها العقيد القذافي للرئيس الأميركي باراك أوباما، مخاطباً إياه قائلاً «ابننا باراك حسين أوباما»،.

 

وهي الرسائل التي لم ينكرها البيت الأبيض، بل رد عليها قائلاً «نريد أفعالاً لا أقوالاً». رغم هذا فقد أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة سحبت يدها من العملية الليبية، حيث انسحبت من عمليات حلف الناتو، ورفضت في نفس الوقت دعم الثوار الليبيين المعارضين للقذافي.

 

لقد بات واضحا أن الإطاحة بنظام العقيد القذافي لا يمكن أن تتم، لا بمناطق الحظر الجوي ولا بالقصف الجوي، وأن الحل الأوحد للنزاع هناك هو العمليات البرية، ومن دون هذه العمليات ستظل العاصمة طرابلس قلعة حصينة للقذافي لا يمكن إسقاطها، وسيظل ينطلق منها بقواته لينقض على معارضيه في المدن الأخرى ثم يعود إليها سالماً.

 

ولا سبيل لتحطيم هذه القلعة سوى بالعمليات البرية، لكن من الواضح أيضاً أنه لا توجد أية نية لدى فرنسا وبريطانيا اللتين تقودان العمليات العسكرية في ليبيا، لإرسال قوات برية لخوض عمليات في ليبيا.

 

ولا يتصور أن كلتا الحكومتين الفرنسية والبريطانية يمكن أن تجازفا بسمعتيهما وشعبيتهما داخل بلديهما، بالخوض في المستنقع الليبي بصحاريه الواسعة ورماله المتحركة، خاصة وأن العالم على أبواب فصل الصيف، وما أدراك ما حرارة الصحراء الليبية في فصل الصيف، فقد كانت مقبرة للغزاة في التاريخ مثلما كان جليد روسيا مقبرة لجنود نابليون وهتلر.

 

أما الخيار الآخر الأشد خطورة، فهو اللجوء لاستخدام فرق مرتزقة، وهذا ما نشرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية القريبة من حزب المحافظين الحاكم، قائلة إن الحكومة البريطانية تناقش فكرة اللجوء لفرق «مرتزقة» لإرسالهم للقتال إلى جانب الثوار في ليبيا، وهو الخيار الذي لا يتصور أحد أن توافق عليه فرنسا التي سبق أن انتقدته بشدة في أفغانستان والعراق،.

 

لكن بريطانيا اعتادت عليه منذ زمن بعيد ولا تتردد في اللجوء إليه. وربما يكون هذا هو السبب الأساسي في انسحاب واشنطن من العمليات في ليبيا، لأن العسكرية الأميركية منذ حرب فيتنام، لا تتدرب على عمليات اشتباك برية.

 

وتعتمد فيها على فرق المرتزقة التي تجلبها شركات الأمن المشبوهة، مثل «البلاك ووتر» وغيرها، ولكن الرئيس أوباما الذي سيخوض انتخابات رئاسية صعبة في العام القادم، لا يريد أن يخوض في الأخطاء التي كان ينتقد الجمهوريين عليها أثناء حملته الانتخابية الماضية.

 

الجميع في الحلف يرون أنه لا حل في ليبيا سوى بالعمليات البرية، ومندوب روسيا الدائم لدى الناتو دميتري روغوزين، يقول إنه إذا جرى تحويل عملية التحالف الدولي العسكرية في ليبيا إلى البر، فان ذلك يهدد بانقسام داخل الحلف، ويرى روغوزين أن الدول الأوربية الكبرى تعارض تورط الحلف كليا في حرب أهلية غريبة،.

 

وأن فكرة الحرب البرية لن تحظى بأي تأييد، لا داخل الحلف ولا خارجه، خاصة وأنها ستكون مخالفة واضحة للقرار الدولي رقم ‬1973. وإذا صمم بعض الأطراف على هذا الخيار وبدأوا بالفعل في تنفيذه، فسيكون هذا آخر مسمار في نعش حلف الناتو.

 

الأكثر مشاركة