العلاقات الروسية الأميركية وعقبة جورجيا

المشكلة الكبرى في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية هي الازدواجية في صناعة القرار وإدارة السياسة في واشنطن، بحيث يمكنك أن تسمع من البيت الأبيض شيئا، وتسمع من الكونجرس نقيضه تماما.

 وهذا ما تعانيه روسيا والعديد من دول العالم في التعامل مع السياسة الأميركية، فقد بدا واضحا خلال الأعوام الثلاثة الماضية تحسنا كبيرا في العلاقات بين موسكو وواشنطن، وظهر تفاهما واضحا بين الرئيسين الشابين ميدفيديف وأوباما في كافة القضايا،.

 ولم تحدث أية خلافات تذكر، كما أن الموقف الروسي في مجلس الأمن الدولي جاء خلال هذه الفترة على النهج الذي تريده واشنطن في كافة الملفات، ابتداء بملف العقوبات على إيران ووصولا للملف الليبي منذ أيام، ناهيك عن اتفاق تقليص الأسلحة النووية في البلدين المسمى «ستارت ‬3».

 والذي وقعه ميدفيديف مع أوباما، وصدق عليه البرلمان الروسي والكونجرس الأميركي، كما وافقت روسيا على مساعدة القوات الأميركية وقوات حلف الناتو في أفغانستان، كل هذه الأمور تبدو وكأن البلدين أصبحا، إن لم يكونا حلفاء، فهما أصدقاء بدرجة عالية،.

 ولكن واقع الأمر يعكس غير ذلك، فمازالت الدوائر المعادية لروسيا داخل الكونجرس ومراكز صنع القرار الأميركي نشيطة وتسعى إلى أي عمل من شأنه الإضرار بالمصالح الروسية، وبأمن روسيا القومي، ومازال هناك من يريد إثارة القلاقل والاضطرابات على الحدود الروسية بهدف إشعال منطقة القوقاز، وخاصة على الحدود الجورجية.

 ويذكر أنه بعد الحرب التي اشتعلت في أعقاب العدوان الجورجي على اوسيتيا الجنوبية عام ‬2008 اعترفت روسيا باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين كانتا تتمتعان بالحكم الذاتي ضمن جمهورية جورجيا.

 وقد اعتبر نظام الرئيس ساكاشفيلي في جورجيا الأمر احتلالا روسيا للجمهوريتين وقطعت جورجيا علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا.ونظرا للدعم القوي لنظام الرئيس الجورجي ساكاشفيلي من واشنطن فقد تحولت مسألة «احتلال الأراضي الجورجية» المزعوم حجرَ عثرةٍ في العلاقات بين موسكو وواشنطن.

 ورغم تحسن تلك العلاقات تدريجيا، إلا أن هناك قوى في الدوائر السياسية الأميركية مصممة على أن تلعب بالورقة الجورجية ضد روسيا، وتستخدم هذه القوى مفردات مثل «عدوان روسيا على جورجيا» و«الاحتلال».

 وقد أثار هذا الموقف الأميركي استنكار موسكو رسميا لأن هذا يتجاهل وجودَ الدولتين المستقلتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ولا ينكر أحد الآن أن عدوان ‬2008 على اوسيتيا الجنوبية قد بدأه ساكاشفيلي وقواته.

 القيادة الجورجية تسعى إلى اتخاذ مختلف الخطوات لتشويه سمعة روسيا. حيث ادعت مؤخرا بأن موسكو هي التي قامت بتدبير العمليات الإرهابية التي وقعت في جورجيا مؤخرا.

 الأمر الذي اضطر روسيا إلى نصب راجمات الصواريخ «سميرتش» في اوسيتيا الجنوبية حماية لها من أي عدوان محتمل عليها من جانب جورجيا. وخلال زيارته إلى إقليم آوسيتيا الجنوبية أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف في ختام مباحثاته مع الرئيس إدوارد كوكويتي أن روسيا لا تستبعد احتمال قيام جورجيا باستفزازات عسكرية،.

 مؤكدا أن موسكو ستبذل كل الجهود لضمان أمن الحدود الخارجية لأوسيتيا الجنوبية، وستكون القوات الروسية في حالة التأهب.

 وكانت الخارجية الروسية قد أعلنت في وقت سابق أن السلطات الجورجية تعمل على تحريض عناصر إرهابية وتخريبية لتصعيد التوتر في منطقة الحدود مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ذلك بعد مقتل جندي روسي في هجوم شنه مسلحون ضد دورية روسية في ابخازيا.

 ولاشك أن تصريحات لافروف لها ما يبررها، ولعل حملات تصفية المتمردين في إقليم شالى بالشيشان، والتي تضمنت جلب مقاتلين جدد إلى شمال القوقاز من الأراضي الجورجية، وشن حرب ضد القوات الروسية،.

 وتنفيذ سلسلة من الأعمال الدموية، بهدف إثارة الفوضى في شمال القوقاز تبرهن على ذلك. لذا لا يقتصر الأمر على أمن واستقرار إقليميي آوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وإنما يتضمن أيضا مخاطر تهدد الأمن القومي الروسي.

 البيت الأبيض والبنتاجون الأميركي تعهداً بعدم إمداد جورجيا بالسلاح حفاظا على العلاقات مع روسيا، ورغم هذا فإن المعلومات الواردة لموسكو تفيد بأن الولايات المتحدة تنوي توريد أسلحة تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات إلى جورجيا عن طريق بلدان أخرى.

 تلبية لطلب مبعوث الرئيس الجورجي، باراميدزه، الذي حمل في ديسمبر الماضي لواشنطن مطلب إمداد الجيش الجورجي بأسلحة قادرة على مقاومة صواريخ «س-‬300» و«سميرتش» التي نصبتها روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية «توطئة لشن عدوان». واشنطن مستمرة في دعم القيادة الجورجية التي أشعلت نار الحرب في القوقاز في عام ‬2008 .

 وتخطط للمزيد من الاعتداءات على دولتين مستقلتين هما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، رغم أن إدارة الرئيس باراك أوباما تحرص على التزام سياسة تحسين العلاقات مع روسيا التي انبرت لرعاية هاتين الدولتين.

الأكثر مشاركة