هل يصمد اتفاق فتح ــ حماس؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت مفاجأة سارة حين أعلنت قيادتا «فتح» و«حماس» التوصل إلى اتفاق مصالحة، من شأنه أن يضع قضية المصير الفلسطيني على طريق جديد تماماً. ولكن، هل يصمد الاتفاق؟

هذا السؤال الكبير يمكن أن يُطرح بصيغة أوضح، فنقول: هي يعني الاتفاق نهاية مرحلة أوسلو؟

الاتفاق يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، لكنه لا يوضح بصورة قاطعة ما إذا كان لهذه الحكومة مهام أخرى مما يدخل في اختصاصات وشؤون تصريف الحكم، وبالتالي رسم حدود واضحة بين الحكومة التي من المقرر أن تتشكل من شخصيات استقلالية، وبين السلطة الوطنية الفلسطينية التي يترأسها قائد فتح محمود عباس.

وهنا ينبثق تساؤل إضافي: هل سيقع على صعيد التطبيق صِدام بين حكومة الوحدة وسلطة رام الله، ليس فقط على صعيد التيسير اليومي لأمور الحكم، ولكن ـ وهذا هو الأهم ـ على طريق رسم السياسات؟

من المعلوم أن جهود المصالحة تأخرت لمدى زمني طويل، ونعلم أن علة هذا التأخير هي خلاف مبدئي على مسائل مصيرية، أبرزها جدلية اعتراف حماس بإسرائيل من خلال الالتزام باتفاق أوسلو على نحو ما كانت تُصر عليه قيادة فتح. الآن وقد تحقق حلم المصالحة ــ وإن بصورة مبدئية ــ يقال لنا إن هذا الخلاف قد حسم، من خلال التوصل إلى صيغ توافقية بين الفصيلين، أطلق عليها «محضر تفاهمات».

لا نعرف التفاصيل الدقيقة لهذه التفاهمات ومدى احتمال نجاحها على الصعيد التطبيقي، لكن التفكر في أوضاع الواقع لا ينتهي بنا إلا إلى حيرة.

وهي حيرة تتضاعف وطأتها بسبب تصريحات صدرت عن رئيس السلطة الفلسطينية عقب إبرام الاتفاق؟ فقد قال محمود عباس إن الشأن الفلسطيني السياسي لن يدخل في اختصاصات حكومة الوحدة المرتقبة، وإنما تنفرد به منظمة التحرير الفلسطينية. علماً بأن حماس ليست عضواً في المنظمة، مما يمكن أن تستنتج منه ملاحظتان:

أولاً؛ إن اتفاق المصالحة لا يشتمل على بند يقضي بإعادة التشكيل البنائي لمنظمة التحرير، بما يجعلها حقاً الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني بكافة فئاته وفصائله.

ثانياً؛ أنه لن يكون لفصيل حماس أي دور سياسي هام، في رسم استراتيجية وطنية مشتركة للنضال السياسي والدبلوماسي ضد الاحتلال الإسرائيلي، في إطار حكومة الوحدة الوطنية.

ومن المثير حقاً في هذا السياق، أن الرئيس عباس أدلى قبل بضعة أيام فقط من عملية المصالحة، بتصريح في باريس أعلن فيه على العالم أنه لن يسمح إطلاقاً بقيام انتفاضة فلسطينية. ورغم أن هذا التصريح القاطع ينسجم تماماً مع الخط السياسي الثابت للرئيس عباس، منذ توليه منصب رئيس السلطة الفلسطينية كزعيم لفصيل فتح، إلا أنه يتناقض تماماً مع توجه فصيل حماس صوب القتال المسلح كنهج أوحد للتعامل مع الاحتلال.

من هنا ينطلق سيل من التساؤلات الهامة المفصلية، وفي مقدمتها ما يلي:

هل في ظل المصالحة بين فتح وحماس، ستواصل قيادة السلطة الفلسطينية عمليات التنسيق الأمني مع السلطة الاحتلالية؟

هل تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ممارسة صلاحياتها المطلقة في اعتقال المواطنين في أنحاء الضفة الغربية؟

في ضوء مثل هذه الملاحظات والتساؤلات، يبدو اتفاق المصالحة وكأنه مجرد ترتيب تنظيمي، أكثر منه توافقا سياسيا نضاليا.

وحتى في المجال التنظيمي لا ندري كيف تنشأ عن المصالحة وحدة وطنية حقيقية، وحماس تظل بعيدة عن عضوية منظمة التحرير! دون برنامج نضالي يتفق عليه ويشمل الفصائل الأخرى غير فتح وحماس، تصبح عملية المصالحة بلا جدوى.. بلا معنى.. بلا مغزى.

لا يسع كل عربي سوى أن يتمنى نهاية حاسمة للانقسام الفصائيلي الفلسطيني، خاصة بين فصيلي فتح وحماس. لكن أي اتفاق للمصالحة لا ينطلق من إلغاء اتفاق أوسلو والترتيبات العملية الناشئة عن تطبيقه، لن يفلح في فك الارتباط بين السلطة الفلسطينية والاحتلال.

لقد كان رد الفعل الإسرائيلي على إعلان الاتفاق، قوياً وفورياً ومصحوباً بإجراءات عقابية مالية، قد تعقبها إجراءات أخرى أشد ستلقى دون شك تأييداً أميركياً وأوروبياً. وهذا مما سيشكل اختباراً أولياً لمدى متانة أو وهن الاتفاق.. ولننتظر لنرى.

Email