المصالحة الفلسطينية بين القناعة والضرورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

فجأة بدون مقدمات أو مؤشرات واضحة، تبدأ رحلة العودة عن حالة الانقسام الخطير الذي ميز الوضع الفلسطيني منذ أربع سنوات. لف الفلسطينيون وداروا على أكثر من طاولة حوار، فلسطينية أو مصرية مرات، وسورية أو تركية، لكنهم عادوا من حيث بدأوا، إلى القاهرة التي إن لم تنجح في رأب الصراع الفلسطيني فإن من غير الممكن لغيرها من العواصم أن تنجح.

على مقربة من ميدان التحرير الشهير وسط القاهرة، وخلال جلسة حوار واحدة، كما قال القيادي في حركة حماس الدكتور محمود الزهار، وقع وفدي الحركتين المتصارعتين فتح وحماس، وبالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة الذي يشمل الوثيقة المصرية، وملحق يتضمن تفاهمات إضافية تعالج التحفظات التي سبق أن عطلت التوقيع على الوثيقة المصرية، وخلال الأسبوع التالي تم التوقيع على الاتفاق في مشهد احتفالي.

إسرائيل لم تتأخر في ردها وتعليقها على خبر توقيع الاتفاق، الذي سيضع حداً للانقسام الفلسطيني الذي سبق للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أن وصفه على أنه ربما الإنجاز الأهم لإسرائيل منذ سنوات طويلة.

نتانياهو عاد ليطرح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الخيار الآثم، فإما السلام مع إسرائيل وإما مع حماس، فيرد عليه عباس بما مضمونه أن من يخسر شعبه لا يمكن له أن يربح الآخرين، وبأن على رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يختار بين السلام العادل وبين الاستيطان.

وسواء ما صدر عن نتانياهو أو ما صدر عن وزير خارجيته المأفون المتطرف أفيغدور ليبرمان الذي أطلق تهديدات صعبة، فإن التصعيد والغضب الإسرائيلي يؤكد ما درجت كل الأوساط الفلسطينية على القيادات الفلسطينية منه، وهو أن استمرار الانقسام هو مصلحة إسرائيلية خالصة، واستمراره دمار للقضية الفلسطينية وأهلها حاضراً ومستقبلاً.

وإلى جانب إسرائيل، كان من الطبيعي أن لا يروق الاتفاق الفلسطيني للإدارة الأميركية التي دخلت منذ بعض الوقت مناخات الانتخابات الرئاسية التي ستتم في نهاية العام المقبل، مما يعني أنه لا يمكن لأي فلسطيني أن يراهن على موقف إيجابي واحد يصدر عن هذه الإدارة لصالح الفلسطينيين إن كان هذا الموقف سيزعج إسرائيل ويستفز اللوبي الأميركي اليهودي، الذي يحوز على إمكانية واضحة في التأثير على الانتخابات.

واشنطن وصفت حركة حماس بالإرهابية، وطالبت أي حكومة فلسطينية يجري تشكيلها بالتزام شروط الرباعية، وهي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ ما يسمى بالإرهاب، والتقيد بالاتفاقيات السابقة.

الإدارة الأميركية تعرف تماماً بأن الحكومة التي اتفق الفلسطينيون على تشكيلها، ستكون حكومة تكنوقراط، وبأنها ليست المعنية برسم السياسات العامة، والاستراتيجيات والخيارات السياسية، التي ستظل من صلاحية الرئيس ومرجعية منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها أي الإدارة الأميركية، تسجل موقفاً يعبر عن عدم ارتياحها لاتفاق المصالحة الفلسطينية طالما أنه يزعج إسرائيل، ويقدم لها ذريعة في تبرير مسؤوليتها عن إفشال الجهود الأميركية والدولية الساعية لدفع عملية السلام والمفاوضات.

والسؤال هو، إذا كانت المصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة، تشكل سبباً أو ذريعة، لارتداد أميركا وإسرائيل، فهل نجحت الجهود الأميركية والدولية في دفع عملية السلام، خلال سنتين ونصف منذ اعتلاء الرئيس باراك أوباما سدت الحكم، فيما كانت الساحة الفلسطينية تشهد انقساماً خطيراً؟

إن المصالحة الفلسطينية بحد ذاتها تعني أن الفلسطينيين يأسوا من إمكانية استئناف المفاوضات ومن إمكانية إنجاح عملية السلام، وأن أكثرهم اعتدالاً، توقف عن المراهنة على تغيير إيجابي في السياسة الإسرائيلية والأميركية، يسمح فيما تبقى من وقت على الانتخابات الرئاسية الأميركية بتحقيق اتفاق سلام.

ولكن لماذا نجح فريقا فتح وحماس في تحقيق الاتفاق بهذه السرعة؟ هل يعود الأمر إلى تغيير ذاتي، يتصل بتوفر قناعات وإرادات جديدة تتطلب تجاوز البرامج والتطلعات الفصائلية التي حكمت مرحلة الانقسام؟

من الواضح أن ثمة قرارات أولية مختلفة قد وقعت على المستويات القيادية، عكست فهماً مختلفاً لطبيعة التغيرات الجارية والمرتقبة في الأوضاع العربية المحيطة، وتأثيراتها على الوضع الفلسطيني برمته، وعلى التطلعات والمراهنات الفصائلية.

أولاً: لقد ولدت الثورات العربية ظروفاً فلسطينية شعبية، تستلهم روح تلك الثورات والقائمين عليها، ودفعت الشباب الفلسطيني وفئات واسعة، إلى تشكيل جماعات ضغط فاعلة ومتزايدة الاتساع والتأثير، مما يترك مخاوف حقيقية لدى طرفي الحكم المنقسم في غزة ورام الله، من أن ينفجر الخزان الشعبي في وجه الطرفين، خصوصاً وأن كل طرف منهما يعمل ضد الطرف الآخر.

ثانياً: تفكك محور الممانعة العربية، وضعف المراهنين عليه، خصوصاً ما يتصل بالتطورات الصعبة التي تشهدها سوريا، وأثر ذلك على طرفي الانقسام الفلسطيني.

ثالثاً: توقف المراهنة على موقف مصري، يؤدي إلى فك الحصار على قطاع غزة، وفتح معبر رفح الحدودي وتغيير جذري إيجابي في العلاقات بين مصر في عهد الثورة وقطاع غزة يرافقه تغيير سلبي في علاقة مصر بالسلطة.

لقد أكد المصريون مجدداً أنهم لن يسمحوا بإنجاح الهدف الإسرائيلي الذي يسعى لدفع قطاع غزة في أحضان مصر، ولعزل وفصل القطاع عن الضفة الغربية والقدس، وبالتالي فإن تغيير الموقف المصري يتطلب تحقيق المصالحة الفلسطينية. في هذا الإطار أيضاً فإن التغييرات التي وقعت حتى الآن في عدد من الدول العربية تدعو للاستنتاج بأن هذه التغييرات لا تلبي طموح بعض المراهنين على إمكانية نجاح الإسلام السياسي في تسلم الحكم في أي من الدول العربية، وأن المتاح فقط هو مساهمة أكبر لهذه الجماعات في الحكم انطلاقاً من مبدأ الشراكة السياسية، والانفتاح الديمقراطي.

رابعاً: يتطلع الرئيس محمود عباس إلى إمكانية تحقيق إنجاز سياسي تاريخي، بالحصول في سبتمبر المقبل على موافقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأغلبية كاسحة، على حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران ‬1967.

يتطلب تحقيق هذا الإنجاز السياسي، تجاوز عقبة الانقسام الذي في حال استمراره يوفر ذريعة للدول المترددة في أن تأخذ من هذا الانقسام سبباً لإثارة أسئلة حول شرعية التمثيل الفلسطيني ومدى واقعية هدف الدولة الفلسطينية.

على كل حال، التوقيع على اتفاق المصالحة مجرد بداية في رحلة العودة الطويلة والشاقة نحو الوحدة وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة، فإن كان الفلسطينيون قد نجحوا في تجاوز المؤثرات الإقليمية والدولية، فإن عليهم أن يتجاوزوا أيضاً تردد إراداتهم والكثير من التعقيدات الداخلية من أجل اختصار الزمن والجهد والثمن لتحقيق النجاح.

 

 

Email