تلمسان عاصمةً للثقافة الإسلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزخر مدينة تلمسان، التي تقع في الغرب الجزائري، بتاريخ عريق ومجيد لعلماء وفقهاء وباحثين أجلاء، في الشريعة والدراسات الإسلامية والفقه وأصوله والحضارة الإسلامية، .

 

وهي تحتفل هذه الأيام باختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2011. إن هذه التظاهرة التي تمتد على مدى سنة كاملة، لها أكثر من مغزى ودلالة، في وقت تحتدم فيه الصراعات والحروب النفسية والدعائية ضد الإسلام والحضارة الإسلامية.

 

ففي هذه الأيام يوجد صراع شرس وقوي للاستحواذ على الصورة وعلى الرأي العام، وهناك خوف من الآخر ومن ثقافته ودينه وحضارته. ما يجري هذه الأيام في فرنسا وفي دول أوروبية عديدة ضد النقاب، ومشكلة الهوية الوطنية و"الإسلام الفرنسي"، معطيات ومؤشرات عن اعتداء سافر، ضد ديانة وحضارة لا علاقة لها بالاتهامات العديدة المتمثلة في التعصب وإقصاء الآخر وعدم التسامح ...الخ.

 

الرأي العام الدولي وشعوب العالم، بحاجة ماسة إلى التعرف على الحقيقة وعلى التاريخ، وعلى ما قدمه الإسلام للبشرية وللإنسانية. مظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2011، يجب أن تُقدم للعالم بأسره، ويجب أن تحظى بتغطية وافية وشاملة من قبل وسائل الإعلام العربية والدولية، حتى تصل الرسالة إلى أصدقاء وأعداء الإسلام على حد سواء.

 

رغم أن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشارا في أميركا وأوروبا، إلا أن المسلمين مقصرون كثيرا في الرد على الصور النمطية وعمليات التشويه والتضليل، الموجهة ضد الدين الحنيف من جميع الأطراف والجهات، حيث أصبح الإسلام يُستعمل كمرادف للإرهاب والجرائم والأعمال الوحشية والعنصرية والجهل والتخلف والتعصب .

 

. أستاذ الديانات المقارنة زكير نايك، دعا المسلمين إلى التعامل بصفة علمية ورشيدة مع وسائل الإعلام، وطلب من المسلمين في جميع أنحاء العالم، استغلال واستعمال هذه الوسائل للرد على الحملات الدعائية، الموجهة للتضليل والتشويه والنيل من الإسلام.

 

. وأكد هذا العالم الهندي ضعف المسلمين في تسويق الصورة حقيقية لدينهم، وشرحه وتفسيره وتقديمه للآخرين بطريقة سلسة وواضحة ومفهومة. الصراع بين التشويه والتضليل والتلاعب بمعتقد ودين الآخر وبالحقيقة والواقع، ليس وليد البارحة، والمسلمون مع الأسف الشديد لم يتعلموا الدرس.

 

فالإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب، تمت وتتم بطريقة منسقة ومنظمة، من خلال ما يبث ويذاع وينشر في العالم عبر المنتجات الإعلامية والصناعات الثقافية، حيث جسدتها وكرستها الأفلام والمسلسلات والأخبار والتقارير اليومية، والدراسات والتحليلات والتعليقات وحتى الكتب المدرسية.

 

الأمر إذن، يجب أن يدرس بمنهجية وبرؤية واستراتيجية، وأحسن سبيل لذلك هو الحوار والتفاهم، وتنوير الآخر بما لا يعلم. محاورة الآخر وإقناعه وتبصيره بحقيقة الأمر، بحاجة إلى خطة منهجية منظمة ومستمرة، لعمل طويل المدى بهدف التواصل والحوار مع الآخر، من خلال الفكر والعلم والمنطق والتاريخ والأدلة والحجج والبراهين. فأحسن طريقة للرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والتلاعب، هي إعطاء البديل وإعطاء الدليل القاطع وتوفير المعلومة، حتى تتم عملية القضاء على الإشاعة وتصحيح المغالطات والتشويه والتحريف.

 

وهنا يأتي دور الإعلام، ولذا نتساءل: ما هو دور وسائل الإعلام في مثل هذه القضايا؟ أهو التشويه والتضليل وخلق المشكلات والصور النمطية، أم من المفترض أن تلعب وسائل الإعلام دورا حضاريا مبنيا على الالتزام والأخلاق، من أجل خدمة القيم الإنسانية والأمن والاستقرار والتفاهم والمحبة في أرجاء المعمورة؟!

 

فالصراع الموجود حاليا بين الغرب والشرق، وبين الشمال والجنوب، وبين الديانات وبين الثقافات، ما هو في حقيقة الأمر الا صراع مفتعل. الصراع هو صراع دلالات، صراع معانٍ، صراع نوايا، أما الحضارات فيجب أن تتكامل وتتناغم وتتوافق من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء. الصراع الموجود سببه الالتباس والتشويه والتضليل، وسببه عدم فهم الآخر أو غياب النية لفهم الآخر .

 

. فإذا كان هناك حوار ونقاش وتواصل واتصال، فهذا يؤدي لا محالة لفهم الآخر ومحاورته والاستفادة منه وإفادته. مع الأسف الشديد، قنوات الاتصال والتواصل والتفاهم غير موجودة وغير قائمة أساسا بين الشعوب، لسبب واحد وهو أن هذه القنوات، إضافة إلى الصناعات الإعلامية والصناعات الثقافية، تسيطر عليها آليات وميكانيزمات تنبذ الحوار والنقاش ومحاولة فهم الآخر، ومحاولة فهم الدلالات والمعاني.

 

يجد العالم العربي والإسلامي، بمؤسساته الإعلامية والعلمية والفكرية والثقافية، وبرجال دينه ودعاته، نفسه أمام تحديات جسام ورهانات كبيرة جدا، لأن عمليات الإساءة والتشويه والتضليل والتلاعب، لا ولن تتوقف، فقد أصبحت بكل بساطة جزءا لا يتجزأ من الصناعة الإعلامية والثقافية الغربية.

 

. وهذا ما يعني أن الصناعة الإعلامية والثقافية العربية والإسلامية، يجب أن تتبنى استراتيجية دائمة ومستمرة ومنظمة، في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام وللحضارة العربية الإسلامية..

 

التحدي كبير ولا يجب أن تتوقف الأنشطة والبرامج في ملتقيات وندوات ومؤتمرات، ليس في العالم العربي فقط، وإنما في جميع أنحاء العالم.

 

. الموضوع بحاجة إلى عمل منهجي وعلمي واستراتيجي، مبني على المنطق والحجج والبراهين وبلغة الآخر ولغة العصر. فالأمة الإسلامية، ممثلة بمنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وأكثر من أي وقت مضى، مطالبة بأن لا تتوقف عن عملية تعريف الآخر بالمصطفى وبالأنبياء والرسل، وبالدين الحنيف وبالقرآن الكريم ومعانيه وعبره وأحكامه.

 

كما من واجب الأمة الإسلامية كذلك، نشر الرسالة والدعوة وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وعالمية الدين الإسلامي ومحاسنه ونعمه على البشر والإنسانية جمعاء.

 

في عصر العولمة والمجتمع الرقمي، يتوجب على المسلمين أن يضاعفوا مجهوداتهم ومساعيهم، من أجل تجنيد واستغلال وسائل صناعة الرأي العام ـ وسائل الإعلام ـ لتلعب دورا إيجابيا بنّاء، وليس دورا سلبيا هداما من خلال نشر الصور النمطية ورسائل الحقد والكراهية والضغينة والمكائد للآخر. وسائل الإعلام العالمية يجب أن تسخّر ويجب أن تكون مسؤولة وملتزمة بخدمة الإنسانية، ومسؤولة عن نشر الأمن والأمان والطمأنينة والتفاهم والوئام والمحبة، بين شعوب وأمم ودول العالم.

 

ما نلاحظه في أيامنا هذه، هو تحول وسائل الإعلام إلى وسائل ووسائط لتلويث المحيط الفكري والثقافي، على المستويات المحلية والدولية. وبدلا من تلطيف الأجواء ونشر قنوات التفاهم والتواصل والتسامح والتعارف من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء، نلاحظ أن وسائل الإعلام في معظمها، تصب الزيت على النار ونجدها في خدمة حفنة من أباطرة المال والسياسة، حفنة لا يهما سوى الفتن والحروب والصراعات، من أجل بيع الأسلحة واستغلال وابتزاز الشعوب التي لا حول لها ولا قوة.

 

Email