روسيا والصين والشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الملاحظ والواضح للجميع أن هناك اتفاقا واضحا، وربما تنسيقا في المواقف بين موسكو وبكين حول ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من صراعات وثورات وتدخلات خارجية.

 

وقد بات واضحا للجميع أن السياسات الخارجية للبلدين أصبحت شبه متطابقة بالشكل الذي يمكن معرفة موقف أي منهما من خلال موقف الآخر، والحقيقة أن هذا أمر غير عادي، ولم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين أن كان بينهما توافق وتفاهم وتنسيق مثل الذي هما عليه الآن، .

 

والحقيقة أيضا أن هذا التفاهم والتوافق لم يأت نتاج رغبة متبادلة بين الطرفين بدون عوامل أخرى خارجية لعبت دورا رئيسيا في هذا التقارب، هذه العوامل التي ظهرت بوضوح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك عام 2001، والتي انطلقت بعدها الآلة العسكرية الأميركية في حملتها المزعومة ضد ما أسمته بـ « الإرهاب الدولي»، .

 

واختارت أفغانستان نقطة الهجوم الأولى لتوجيه قواتها وقوات حلف الناتو إليها، حينذاك استشعرتا كل من موسكو وبكين معا أن هناك خطرا كبيرا يستهدفهما معا، خاصة بعد أن زرعت الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في دول أسيا الوسطى الواقعة بين روسيا والصين، .

 

وبدا واضحا للبلدين أن هناك مخططات لتصدير الإرهاب من أفغانستان وأسيا الوسطى إليهما، حيث اشتعلت الحركات الانفصالية والعمليات الإرهابية في منطقة شمال القوقاز جنوب روسيا، بينما ظهرت بوادر الاضطرابات في الأقاليم الشمالية الشرقية من الصين التي تسكنها أقليات مسلمة.

 

حينذاك قررت روسيا والصين، ولأول مرة في تاريخهما، أن يتقاربا ويتحدا من أجل مواجهة الخطر المشترك، وكانت دول أسيا الوسطى تشكل بالنسبة لهما نقطة ضعف كبيرة، حيث التواجد العسكري الأميركي في هذه الدول، وحيث الحدود المفتوحة والغير خاضعة للمراقبة لهذه الدول مع روسيا والصين، مما يسمح بتسرب الجماعات الإرهابية والمخدرات من أفغانستان عبر دول أسيا الوسطى إلى كل من روسيا والصين.

 

من هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس « منظمة شنغهاي للتعاون» في عام 2001 بمبادرة صينية رحبت بها روسيا لتضما معهما أربع جمهوريات من أسيا الوسطى هي كازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان، كان لدى كل من روسيا والصين هدف أساسي غير معلن وراء تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، هذا الهدف هو تأمين منطقة وسط أسيا الواقعة على حدودهما ضد أي تدخل أجنبي وضد أية عمليات أو تحركات إرهابية يكون لها فيما بعد تأثير مباشر على أمن ومصالح كل من روسيا والصين، .

 

ولهذا كان من الضروري أن تضم المنظمة الجديدة في عضويتها هذه الدول الواقعة في وسط أسيا على الحدود الصينية الروسية وأيضا على الحدود الأفغانية التي تشكل مصدر مخاطر وتهديدات كثيرة للبلدين. وتطور التنسيق بين روسيا والصين خارج الإطار الإقليمي لمنظمة شنغهاي للتعاون، وامتد لمناطق أخرى في مختلف أنحاء العالم، خاصة في المجالات الاقتصادية،.

 

وذلك بعد اطمأن كلا البلدين لبعضهما تماما من ناحية التعاون الاقتصادي والتجاري، وبعد أن أمنت روسيا للصين مصادر الطاقة اللازمة من النفط والغاز لعجلتها الإنتاجية العملاقة التي حاول الغرب فرملتها أو تبطئة سيرها عن طريق حرمانها من مصادر الطاقة، وتحولت الصين إلى أكبر مستثمر في قطاعات الطاقة الروسية.

 

هذا التطور في العلاقات بين البلدين انعكس في مواقفهما من الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، فكلا البلدين روسيا والصين لهما مصالح حيوية في بلدان الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، ومصالحهما هناك تخضع لمبادئ القانون الدولي ولا تتحقق بأساليب الهيمنة وفرض النفوذ بالقوة، .

 

ولهذا نجد البلدين بخلاف الآخرين في الغرب يقفان على الحياد مما يحدث، حيث ليس لهما أية مصالح خاصة في تغيير الأنظمة الحاكمة في دول الشرق الأوسط، ولهذا امتنعا معا عن التصويت على القرار 1973 بشأن التدخل العسكري في ليبيا، كما أنهما يرفضان تماما أي تدخل أجنبي فيما يحدث في بلدان المنطقة، .

 

وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي في 6 مايو الجاري ، عقب المباحثات مع نظيره الصيني يانغ جيتشي، أن روسيا والصين اتفقتا على العمل سوية من أجل استقرار الوضع في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأسرع وقت.

 

وأعرب البلدان عن قلقهما من الوضع الناشئ هناك، الذي ينطوي على احتمال وقوع هزات عالمية خطيرة، وقال لافروف:»لقد اتفقنا على استخدام إمكانيات الدولتين، وتنسيق أعمالنا من أجل المساعدة في استقرار الوضع بأسرع وقت، والحيلولة دون استمرار العواقب السلبية التي لا تحمد عقباها هناك .

 

». ولا شك أن كلا من روسيا والصين لديهما من الإمكانيات ما يمكن استخدامه للحد من التدخلات الأجنبية في شئون دول منطقة الشرق الأوسط، سواء من خلال موقعهما في مجلس الأمن الدولي أو من خلال علاقاتهما بمختلف الدول في المنطقة.

Email