فلسطين.. ثم ماذا بعد المصالحة؟

قال أوباما: قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يستند إلى حدود عام 1967.

قال نتانياهو على الفور: لا!

وفي اليوم التالي، سارع الرئيس الأميركي أمام مجمع يهودي في واشنطن، إلى «تصحيح» نفسه قائلا: «حدود 67» لا ينبغي أن تكون الحدود النهائية في إطار اتفاق فلسطيني/ إسرائيلي.

فماذا تنتظر القيادة الفلسطينية الرسمية من الولايات المتحدة؟

أحدث خطوة قررت أن تتبناها رئاسة السلطة الفلسطينية في سياق مسلسل الصراع العربي/ الإسرائيلي، هي اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصدر الهيئة الدولية قراراً «تاريخياً»، توافق بموجبه على قيام دولة فلسطينية مستقلة على «حدود 67».

وتفيد الأخبار بأن مشروع القرار سوف يحظى بتأييد الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة، عندما تنعقد في سبتمبر. لكن علينا أن نتنبه إلى أن صدور هذا القرار الدولي، لن يكون سوى انتصار رمزي للقضية الفلسطينية. فالقرار الذي لا تتوفر آلية تنفيذية قوية لتطبيقه، سوف يبقى كلمات مطبوعة على ورق مصقول، ليس إلا. مع ذلك فإن هذا التحرك الفلسطيني المحدود، قوبل بهجوم كاسح من قبل الرئيس الأميركي. لماذا؟ لننظر أولا في ما قاله وكرره الرئيس أوباما.

بادئ ذي بدء، لجأ الرئيس إلى السخرية قائلاً إن جهود الفلسطينيين لانتزاع اعتراف بدولتهم في الأمم المتحدة، لن يجدي نفعاً. وبينما اعتبر أن الهدف من التحرك الفلسطيني هو نزع الشرعية عن إسرائيل، فإنه أعلن على العالم أن الجهود الفلسطينية ستبوء بالفشل. وكان ذلك بمثابة تمهيد من الرئيس الأميركي، ليتنبأ بعد ذلك بأن محاولة عزل إسرائيل في الأمم المتحدة لن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. هكذا ينصب الرئيس الأميركي نفسه كمحامي دفاع عن إسرائيل. وفي هذه الحالة تحديداً، تنطلق المهمة الدفاعية من موقف أميركي ـ إسرائيلي ثابت على مدى عقود زمنية متصلة، بعدم السماح بدخول أي طرف ثالث ـ وخاصة الأمم المتحدة ـ على خط قضية النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي، حتى تبقى القضية رهن سيطرة الشراكة الاستراتيجية العظمى، التي تجمع الولايات المتحدة مع إسرائيل.

لسبب واضح، تفادت قيادة السلطة الفلسطينية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لأن الفيتو الأميركي سيكون هناك بالمرصاد لإحباط أي تحرك يستقصد إسرائيل. لكن الانتصار المؤكد الذي سوف تحظى به السلطة الفلسطينية في الجمعية العامة، سيؤدي إلى انبثاق سؤال حتمي: ثم ماذا بعد الانتصار الرمزي؟

إن القرار الدولي المرتقب، لن يؤدي تلقائيا إلى تصفية الاحتلال الإسرائيلي.. وبالتالي قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة. لقد كانت إجابة قيادة السلطة الفلسطينية على السؤال المطروح، هي: التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض. والاستنتاج الأوحد الذي يستخلص من هذا الموقف، هو أنه لا تزال لدى السلطة الفلسطينية قناعة ما، بالمراهنة على ضغوط تمارسها الولايات المتحدة على الطرف الإسرائيلي، لإجباره على المرونة التي تؤدي إلى تنازلات يمكن أن ترضي الجانب الفلسطيني.

لكن هذه المراهنة تتناقض تماماً مع الواقع المرئي والمسموع، فالولايات المتحدة تتبنى الأجندة الإسرائيلية بالكامل، وكأن البيت الأبيض قسْم من رئاسة الوزارة الإسرائيلية.

في أحدث خطاب له، أعلن الرئيس أوباما الخطوط العامة للسياسة الأميركية تجاه أزمة الشرق الأوسط، كما يلي: إن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ينبغي أن ينطلق من اعتبارات ضمان أمن الدولة الإسرائيلية.

إن الدولة الفلسطينية ينبغي أن تكون دولة منزوعة السلاح.

ولتفسير هذا البند، قال الرئيس الأميركي ما نصه الآتي: «إن انسحاباً كاملاً وتدريجياً للقوات العسكرية الإسرائيلية، يجب أن ينسجم مع فكرة مسؤولية قوات الأمن الفلسطينية في دولة منزوعة السلاح». ومعنى هذا القول بلغة مبسطة ومباشرة، هو ألا يكون للدولة الفلسطينية جيش، وإنما تكون لها قوات شرطة وأمن داخلي تنحصر مهمتها في حماية الأمن الإسرائيلي.

إزاء هذه الرؤية الأميركية الواضحة والمتطابقة تماماً مع الرؤية الإسرائيلية، ربما تكون المصالحة بين فصيلي فتح وحماس تطوراً باعثاً على التفاؤل تجاه المستقبل النضالي الفلسطيني، لكن التصالح وحده لا معنى له. فالمطلوب هو أن تفضي المصالحة إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة متوافقٍ عليها، للنضال الفلسطيني ضد الشراكة الاستراتيجية القائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ومع عدم استبعاد خيار المقاومة المسلحة. ولرسم هذه الاستراتيجية الوطنية، لن تجد القيادات الفلسطينية مناخاً أفضل من المناخ الجديد، الذي أفرزه ربيع الثورات العربية المتنامي.