موسكو تضمن سلمية النووي الإيراني

أعلنت روسيا منذ أيام أنها مستعدة للعمل في البرنامج النووي الإيراني بلا نهاية بناء على رغبة طهران، وأكدت ضمانها الدائم لسلمية هذا البرنامج وعدم صحة ما يثار حول وجود نيّات عسكرية فيه، وبناء عليه فإن الجهات الروسية مستمرة في العمل في هذا البرنامج، ولم تتوقف لحظة واحدة، ولم تتأثر بتصعيد الأزمات حول هذا البرنامج، .

 

والدليل على ذلك النتائج الأخيرة، فقد أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش أنه تم تشغيل الوحدة الأولى في محطة بوشهر الكهرذية بنحو 25% من قدرتها التصميمية، وتجري الأعمال لرفع قدرة الوحدة تدريجيا، وفق الجدول الزمنى المتفق عليه.

 

وأضاف أن بناء المحطة واستخدامها يتوافقان بشكل تام مع المعايير الدولية ويتم تشغيلها بالكامل تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تصريحات لوكاشيفتش تأتى بعد جدل حاد بين موسكو من جهة، وعدد من الدول الأوروبية وإسرائيل من جهة أخرى.

 

وكان وزير الخارجية لافروف قد أعرب عن قلق موسكو إزاء توقف المباحثات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني،وجدد دعوة روسيا للمشاركين في هذه المباحثات (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا وإيران) إلى ضرورة استئنافها. واعتبر أن القرار 1929 الذي أصدره مجلس الأمن صيف العام الماضي، قد استنفذ عملياً كافة الإمكانات المتاحة لمعاقبة جميع المتورطين في البرنامج النووي الإيراني.

 

وإن فرض عقوبات لاحقة على طهران يعني خنق الاقتصاد الإيراني وإثارة مشكلات اجتماعية للسكان، مؤكداً أن روسيا لن تؤيد هذه العقوبات. ورغم المساعي الإسرائيلية لإقناع روسيا بضرورة الضغط على حكومة طهران، عبر فرض المزيد من عقوبات ضد إيران، والتهديد باستخدام القوة العسكرية.

 

إلا أن موسكو اكتفت بالتأكيد على موقفها وأعرب لافروف عن استعداد روسيا لمواصلة جهود الوساطة المتعلقة بإزالة التوتر والقلق الدولي إزاء برنامج طهران النووي، باعتبارها طرفاً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لديها الحق في تطوير برنامجها لاستخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

ويخطئ من يعتقد أن روسيا يمكن أن تقبل بأن يتضمن البرنامج الإيراني استخداماً للطاقة الذرية في أغراض عسكرية، لأنه كما يشعر المجتمع الدولي بالقلق على أمنه، فإن موسكو تبذل جهوداً مكثفة وتضع خططاً محددة لحماية أمنها، وبالتالي لن تقبل أن تجد على حدودها دولة تملك صواريخ استراتيجية يمكن أن تهدد الأمن الوطني واستقرار المواطن الروسي.

 

لكن المسألة تكمن في رؤية روسيا لمعالجة هذا الموضوع. إن التهديدات التي يتوقعها ويروج لها البعض من امتلاك طهران للأسلحة والصواريخ النووية إن وجدت فهي تهدد بالدرجة الأولى روسيا، ثم يصل التهديد بعد حائط الصد الروسي الأول إلى أوروبا، .

 

لكنها بالتأكيد لن تهدد الأمن الأميركي. وإذا افترضنا أن واشنطن تحرص على ضمان أمن حلفائها سواء في أوروبا أو في منطقة الخليج، فإن هذا التوجه مشروع لكن التعامل معه لا يكون بالقوة ومصادرة حقوق الآخرين في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية.

 

. وهو بالتأكيد لا يكون بنشر درعها الصاروخية في أوروبا الشرقية الذي عملياً لا يهدد سوى الأمن الروسي. وكأننا نستخدم الأسلوب الذي نرفضه في مواجهة مخاطر محتملة، فنزيد من حجم هذه المخاطر تجاه دول أخرى.

 

لكن مسألة البرنامج النووي الإيراني ليست هي السبب الوحيد للضغط المتزايد لخنق طهران، وإنما الدافع الأساسي هو أمن إسرائيل التي تشعر بأن تنامي نفوذ طهران يقلص من نفوذها، كما أنها تستخدم الفزاعة الإيرانية لتحويل الأنظار عن السبب الرئيسي لحالة عدم الاستقرار التي يعيشها الشرق الأوسط منذ عشرات السنين.

 

والتي تنجم ببساطة عن رفض إسرائيل لتسوية الأزمة الفلسطينية وفق رؤية وقرارات المجتمع الدولي والمبادرات العربية. لا شك أن موسكو ترفض بعض النزعات التوسيعية لدى اللاعبين الأساسيين من القوى إقليمية والدولية في الشرق الأوسط والخليج. ولا يمكن أن تبرر السلوك الإيراني في عدد من الملفات الساخنة في المنطقة، لكنها في نفس الوقت ترفض تهميش القضايا التي تعتبر المفجر الأساسي لأزمات الإقليم، .

 

وتأجيل التعامل معها، بزعم مواجهة أخطار أخرى غير واقعية. إن تسويات أزمة الشرق الأوسط هي السبيل لوضع كل اللاعبين في المنطقة في مواقعهم الحقيقية وضمن الحدود المسموح لهم بها، بما في ذلك إيران وغيرها.

 

. أما تجاهل أزمة التسوية الإسرائيلية ــ الفلسطينية لحساب مخاطر احتمال وجود أغراض عسكرية في برنامج طهران النووي فهو أمر يمثل إهداراً لجهود المجتمع الدولي نحو إحلال الأمن والاستقرار في هذه المنطقة. ومع ذلك، .

 

ورغم قناعة روسيا أن التسوية ستمنع أي مساعٍ للهيمنة أو التوسع لدي البعض، إلا أن موسكو بالتأكيد وبشكل مباشر لا تقبل بأن توجه طهران برنامجها النووي نحو خدمة ترسانتها العسكرية، ذلك أن لروسيا مصالح مباشرة في استقرار وأمن الشرق الأوسط الذي هو أقرب لها مما هو أقرب لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

 

خبيرة الطاقة الروسية

الأكثر مشاركة