دعوة إلى إسلام أوروبي بعيد عن العرب

يشكل المسلمون العرب نحو 20 بالمئة من مسلمي العالم، ورغم تراجع أو غياب العلوم والآداب والثقافات العربية على الساحة الدولية، إلا أن أكثر من نصف مسلمي العالم، والذين يعيشون في آسيا وأوروبا وأميركا يأخذون علومهم في الدين من العرب، وهذا الأمر لم يكن يثير أي جدل أو مشاكل قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في نيويورك، هذه الأحداث التي بدأت بعدها حملات التشويه المتعمدة للإسلام والمسلمين كافة، بحيث بات أي مسلم في نظر الآخرين إرهابيا أو مشروع إرهابي.

خاصة مع الانفعالات التي تصدر من جماعات المسلمين في مختلف أنحاء العالم تجاه الاستفزازات المتعمدة من بعض المتطرفين من الديانات والعقائد الأخرى، مثل حوادث حرق وإهانة كتاب المسلمين «القرآن»، أو حوادث الاعتداء على شخص نبي الإسلام برسومات كاريكاتورية مستفزة، هذه الأمور التي تثير وتستفز أي مسلم بسيط في أي مكان في العالم، مهما بلغت درجة ثقافته وتحضره وتسامحه.

في ظل هذا الشكل من الصراع الحضاري المفتعل يظهر في أوساط المسلمين من غير العرب جدلا واسعا، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وهما اللتان يسكنهما معا نحو سبعين مليون مسلم أوروبي وأميركي يتعرض الكثير منهم لنفس الاتهامات التي توجه للمسلمين العرب، هؤلاء يتساءلون، ما ذنبنا نحن، ولماذا يتهموننا في الغرب بالإرهاب والتخلف الحضاري ونحن منهم ونعيش معهم؟.

هذا الجدل طيلة الأعوام العشرة الماضية تطور إلى حوارات وحلقات نقاش واسعة النطاق في الأوساط الإسلامية الأوروبية والأميركية، ونتج عنه مؤخرا ما يمكن تسميته بمسميات عديدة، مثل، الفكر الإسلامي الجديد، والإسلام الأوروبي، والإسلام الليبرالي، والإسلام الحضاري، وغيرها من المسميات التي تعني في مجملها، كما يقول البعض علنا ، إسلام غير عربي.

هذه الدعوات والنقاشات انتشرت مؤخرا بشكل واضح في الولايات المتحدة الأميركية وفي أكثر من دولة أوروبية، على رأسهم روسيا وفرنسا، ففي فرنسا انتشرت الدعوة لإسلام فرنسي يحترم تقاليد وقيم المجتمع الفرنسي، وخاصة بعد مشكلة النقاب والحجاب التي اشتعلت في العامين الماضيين وكادت أن تسبب أزمات اجتماعية حادة، وفي الولايات المتحدة ظهرت دعوة إمام مسجد في شيكاغو يدعى صهيب يطرح فيها رؤيته لما يسميه ، إسلام أميركي، ويقول إنه إسلام حداثي منفتح على الآخر يراعي في المقام الأول عادات وتقاليد المجتمع الأميركي.

وقد اعتنق صهيب الإسلام عام 1992 وتعلم في جامعة الأزهر في مصر ست سنوات، ويتقن اللغة العربية، وأسلم على يديه المئات من الشباب الأميركي، ويدعو صهيب إلى إزالة الحواجز بين الرجال والنساء في المساجد داخل الولايات المتحدة لأنها غير ضرورية، كما يدعو إلى المزج بين الثقافة الأميركية وبين القرآن وأحاديث السنة النبوية، وتلقى هذه الدعوة قبولا في أوساط المسلمين الأميركيين الذين يرون أن الإسلام مثله مثل باقي الأديان للبشر جميعا، كل في مجتمعه بعاداته وتقاليده، وليس بعادات وتقاليد المجتمعات العربية التي بدأ فيها الإسلام.

أما في روسيا فتأخذ الدعوة لـ «إسلام غير عربي» شكلا آخر أكثر موضوعية وجدية وانتشارا، إذ يتبناها عدد من قادة المسلمين في روسيا الذين يرون أن الإسلام جزء لا يتجزأ من تاريخ الإمبراطورية الروسية منذ القرن التاسع الميلادي، وأن المسلمين الروس ساهموا بفكرهم وتسامحهم مع المسيحيين الروس في بناء مجتمع عظيم لم ير مشاكل بين الطرفين طيلة هذه القرون الطويلة الماضية، ويرى هؤلاء أن ما ظهر في روسيا خلال العقدين الماضيين من أشكال للتطرف الديني وسط المسلمين الروس، إنما أتى إليهم من المدارس الدينية العربية المتطرفة التي تعلموا فيها.

من قادة المسلمين في روسيا الذين يقودون هذه الدعوة لـ «إسلام غير عربي» عالم الدين الإسلامي والفيلسوف رافائيل حكيموف الذي يقول «إن نماذج التنمية في البلدان الإسلامية وخاصة العربية منها، لا تدعو إلى الفخر والإعجاب بل تدعو للأسى، كما أن محاولات إقامة دول إسلامية بحتة أدى إلى مزيد من التخلف، والعالم الإسلامي يعيش الآن على قارعة الطرق الرئيسية لتطور البشرية».

ويتهم حكيموف المسلمين العرب بكراهية الآخر حتى من المسلمين، ويقول «إن أبناءنا الذين يدرسون الإسلام في الدول العربية يسمعون هناك السب والشتائم والاتهامات بالكفر لروسيا وللمجتمع الروسي، فلماذا نرسلهم هناك ليتعلمون، هل ليعودوا إلينا متطرفين يكرهون مجتمعاتهم ووطنهم».

أمثال حكيموف في روسيا الآن كثيرون يتبنون الدعوة لإسلام روسي أوروبي بعيد عن العرب، ومنهم المفتي إلدوس فائزوف، والعالم رايس سليمانوف، والفقيه فريد سليمان من قازان الذي يقول «إذا لم ندعُ في روسيا للإسلام الأوروبي، فسيسيطر المتطرفون علينا، ويجب أن تتولى الدولة الإشراف التام وبسلطة قوية على الإسلام والمسلمين».

أخشى ما تخشاه السلطات في روسيا أن تؤدي هذه التوجهات إلى صدامات بين المسلمين الروس وبعضهم، خاصة وأن هناك تربة خصبة لهذا الصدام في منطقة شمال القوقاز.