الحوار المتعثر بين روسيا والاتحاد الأوروبي

انعقدت منذ أيام القمة السابعة والعشرون بين روسيا وقيادة الاتحاد الأوروبي، وشارك فيها الرئيس ديميترى ميدفيدف وهيرمان فان رومبي رئيس الاتحاد الأوروبي وجوزيه مانويل رئيس المفوضية الأوروبية.

ورغم أن مواقف طرفي القمة إزاء العديد من الملفات السياسية الساخنة على الساحة الدولية يبدو عليها التقارب والتطابق أحيانا، إذ أعرب قادة روسيا والاتحاد الأوروبي عن قناعتهم بضرورة تنحي القذافي من السلطة، وانتقال ليبيا إلى مرحلة التحولات الديمقراطية.

وأكد الجانبان على أهمية استئناف دور رباعي الوسطاء الدولي، لإخراج المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية من مأزقها الراهن، إلا أن هذا التقارب في الملفات السياسية الدولية لم يقابله اتفاق حول عدد من قضايا العلاقات الثنائية بين روسيا والقارة الأوروبية.

 فمازالت أوروبا تتجاهل مطلب موسكو بإعفاء مواطني روسيا من تأشيرة الدخول للدول الأوروبية، وفق خطة تقدم بها الكرملين شملت بعض الخطوات لإلغاء العمل بنظام تأشيرة دخول، وذلك كخطوة أساسية نحو إنجاز حرية تنقل الأفراد بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والتي سيؤدى لتحقيق اندماج روسيا في المجتمع الأوروبي. لكن أوروبا مازالت ترفض الاستجابة للمطلب الروسي، وكانت قيادة الاتحاد الأوروبي قد أعلنت في وقت سابق عن صعوبة إصدار قرار بإعفاء مواطني روسيا من تأشيرة دخول البلدان الأوروبية خشية تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من أقاليم روسية تواجه مشكلات كالأقاليم القوقازية.

كما فشلت القمة الروسية- الأوروبية في تحقيق أي تقدم في ملف حصول روسيا على عضوية منظمة التجارة العالمية، رغم أن موسكو أقدمت على مبادرة حسن نوايا، بإلغاء قرار حظر استيراد الخضروات الأوروبية الذي صدر بعد انتشار الخضروات الملوثة ببكتيريا «أي كولاي» القاتلة.

وتأجل انضمام روسيا لعضوية هذه المنظمة العالمية لعدة شهور حتى يتم تسوية بعض القضايا التى يعتقد الاتحاد الأوروبي أنها تعيق ذلك، من أهم هذه القضايا إعادة النظر في الشروط المتعلقة بنظام الاستثمارات في قطاع صناعة السيارات وأوضاع قطاع الزراعة في روسيا. وقد دفعت نتائج قمة روسيا-الاتحاد الأوروبي العديد من السياسيين الروس للاعتقاد بأن الدوافع الحقيقية لتعطيل خطط وبرامج تطوير علاقات روسيا مع القارة الأوروبية ترتبط بشكل مباشر بعدد من ملفات السياسة الدولية الساخنة.

لقد تحولت العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي في ظل ظروف تقادم القاعدة القانونية (اتفاقية الشراكة والتعاون) إلى مجرد إعلانات ومشاريع مدوية ومساومات حول العديد من المسائل. ويخدم هذا الوضع سياسات بعض القوى الأوروبية التي تسعى من خلال تشويه سمعة روسيا إلى تعزيز مواقعها في الاتحاد الأوروبي. واضطر الجانبان إلى توقيع «خرائط الطرق» خلال الأعوام الماضية، التي شكلت إضافات للاتفاقات السابقة من خلال تحديد مجالات التعاون المشتركة الأربعة. وعلى الرغم من أن تلك «الخرائط» تعتبر مجرد تصريحات إلا أنها رسمت اتجاهات التعاون المستقبلي.

ومن الملاحظ أن القمة الأخيرة لم تناقش مصير معاهدة الشراكة الاستراتيجية التي جمدت منذ عام 2007، وهل سيتم استئناف المفاوضات على معاهدة جديدة، ام أن ملف الشراكة الاستراتيجية قد أغلق ولن يطرح للبحث خلال السنوات القادمة؟

وبات أمرا ملحا أن يعيد الاتحاد الأوروبي النظر في وتائر عمله المرتبطة بالتعاون والتنسيق مع روسيا، ليس فقط لضمان إمدادات الطاقة المستقرة، ولكن من أجل ملفات أخرى ربما تكون أكثر أهمية، مثل قضايا الأمن الأوروبي التي تعتبر روسيا جزءا لا يتجزأ منه، وتدرك دول أوروبا القديمة حقيقة الحوار وتناول المواضيع الإيجابية والسلبية في العلاقات مع روسيا، لأن هذه الدول في الوقت الذى توجه فيه انتقادات لسياسات القيادة الروسية الخاصة بحقوق الإنسان، وأسلوب تعاملها مع الأزمة الجورجية، إلا أن هذه الدول نفسها تحرص وتواصل تعاونها الاقتصادي مع روسيا في مختلف مشروعات الطاقة، كما أن هذه الدول القديمة والكبيرة في أوروبا هي التي عانت كثيرا في زمن الحرب الباردة من الإنفاق العسكري الذي كان يفرض عليها غصبا في إطار حلف الناتو لمواجهة التهديدات القادمة من الاتحاد السوفييتي.

وبالتالي هذه الدول هي التي تعرف جيدا قيمة التقارب مع روسيا، ما يعنى أن دول أوروبا القديمة تسعى لتطوير أداء الأسرة الأوروبية نحو تحقيق مصالحها. بينما تؤثر مواقف وسياسات دول أوروبا الشرقية سلبا على خطط الاتحاد الأوروبي، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار في مواقفها مصالح القارة الأوروبية ومصالحها الوطنية فقط، وإنما تكون سياساتها أحيانا ردود فعل، أو موالية لتوجهات قوى دولية أخرى خارج القارة. إن تطوير التعاون الروسي الأوروبي يعتبر ضرورة حيوية للطرفين، ما يتطلب إيجاد مدخل أكثر جدية، لإخراج هذا التعاون من مآزقه الراهن، ولضمان أمن القارة الأوروبية والمجتمع الدولي. وعدم الالتفات لمواقف أي قوى أخرى تمارس ضغوط بهدف تعطيل هذا التعاون لتحقيق مصالحها الضيقة.

كاتب روسي