لماذا يتعطل قطار المصالحة الفلسطينية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم التوقيع عليه في مشهد احتفالي سياسي بحضور وزيري الخارجية السابق والمخابرات، والأمين العام للجامعة العربية، وممثلين عن كافة الفصائل الفلسطينية وعدد من الشخصيات المستقلة، في القاهرة يوم الأربعاء، الرابع من مايو الماضي، ذلك الاتفاق لم يكن سوى مؤشراً قوياً نحو تغير الظروف والعوامل المؤثرة على طرفي الانقسام، فتح وحماس، بحيث دفعتهما للعودة عما كان عليه الحال خلال السنوات الأربع الماضية.

لم يعد الانقسام يصلح لتلبية برامج وتطلعات القوى التي دفعت إليه وغذته، ذلك أنه باستثناء إسرائيل وحلفائها الدوليين، الذين أصابهم اتفاق المصالحة بالصدمة، فإن ربيع الثورات العربية، قد وفر بيئة جديدة، وفرض معطيات مختلفة، لا تؤمن حتى الحماية أو المبرر لاستمرار الانقسام، أو التطلعات الفصائلية والفئوية الفلسطينية الخاصة.

على أن الاتفاق النظري بقسميه الذي تضمنه ما يعرف بالوثيقة المصرية التي مضى على صياغتها حوالي عام، والذي يتضمن التفاهمات الإضافية التي جرى التوافق عليها خلال جلسة حوار ثنائي واحدة لم تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، ذلك الاتفاق بمختلف مضامينه ومكوناته، كان مناسباً للفترة والظروف التي أنتجته وطالما تغيرت تلك الظروف إلى ظروف جديدة، فإن الاتفاق كان بحاجة إلى تجديد وتطوير بما ينسجم والبيئة والظروف التي تحيط بعملية تنفيذه.

لم يطلب أي من طرفي الانقسام والمصالحة الفلسطينية لا فتح ولا حماس، صراحةً، إعادة النظر رسمياً، أو علنياً بوثيقة المصالحة وشروطها، لكن تعثر التنفيذ والتأخير المتعمد في تشكيل الحكومة الفلسطينية لما يقرب من شهرين، يجعل من الضروري فحص الأسباب الحقيقية لهذا التعثر.

يعتقد الكثيرون، بما في ذلك ما يصدر عن مسؤولين في الحركتين، أن الخلاف حول الحكومة، هو عقدة النجار التي تحول دون التقدم نحو مرحلة تنفيذ الاتفاق، وباعتبار أن تشكيل الحكومة يفتح الباب للتوجه نحو تشكيل المرجعية القيادية الفلسطينية ومعالجة ملف المعتقلين السياسيين، وتفصيل آليات المصالحة الاجتماعية، ومعالجة ملف الأمن.

في الحقيقة فإن الخلاف الظاهر حول المرشح لرئاسة الحكومة، قد اتخذ طابعاً كاريكاتورياً ، أو طابع المناورة المكشوفة، إذ لا يمكن الاعتقاد بأن إصرار الرئيس عباس علنياً على فرض الدكتور سلام فياض كمرشح وحيد، يشكل الأسلوب الأمثل لتحقيق هذا الهدف، ذلك أن مثل هذا الإعلان يشكل استفزازاً لحركة حماس التي لن تقبل هذه الطريقة في التعامل مع قضايا تحتاج إلى التوافق وليس الفرض والإملاء.

والحقيقة أيضاً أن مسألة الاتفاق أو الخلاف على مرشح رئيس الحكومة، لا يمكن أن ترقى إلى مستوى القضية التي تهدد تنفيذ الاتفاق، فالأهم من اسم المرشح، قد جرى التوافق عليه بسرعة، وهو ما يتصل بطبيعة الحكومة بما أنها حكومة مستقلين، وبصلاحياتها والأهداف التي ستعمل على تحقيقها. لقد قبلت حركة حماس صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، وصاحبة الحق في تشكيل الحكومة، بالتنازل عن هذا الحق، وإبعاد الصبغة الفصائلية عن الحكومة الجديدة، لأنها تدرك الحاجة للانفتاح على المجتمع الدولي وتأمين الدعم المالي للسلطة، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وتحقيق مشروع إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في غزة إثر حربه عليها نهاية ديسمبر2008.

ربما يكون الدكتور فياض المرشح الذي تنطبق عليه المعايير التي تتناسب مع صلاحيات وأهداف حكومة التوافق الوطني، ولكنه لا يمكن أن يكون الوحيد القادر على تبوؤ هذه المسؤولية، فالشعب ليس عاقراً إلى الحد الذي يجعله المرشح الوحيد.

إن كان الأمر على هذا النحو فإن أياً من الطرفين فتح وحماس لا يمتنعان عن الحديث بشفافية وجرأة عن أسباب تعطيل عملية تنفيذ اتفاق المصالحة لفترة طويلة، رغم معرفة كليهما أن هذا التعطيل والمماطلة، يتسبب في إحباط الجماهير الفلسطينية التي احتفلت يوم توقيع الاتفاق، وأظهرت استعداداً لحمايته وإنجاحه.

كلمة السر تكمن في غياب الاتفاق على البرنامج السياسي، فهو الغائب الأكبر عن وثيقة المصالحة فيما يبدو أن ذلك كان مقصوداً بما يترك هذا الملف ليتطور ويتفاعل مع تطور الظروف والعوامل المحيطة والخيارات المطروحة بما أنها حتى الآن تتأرجح بين خيار المفاوضة وخيار المقاومة.

في احتفال التوقيع على المصالحة، كان الرئيس محمود عباس قد ألقى خطاباً أكد فيه بوضوح برنامجه السياسي، وهو البرنامج الذي خاض عليه الانتخابات كمرشح للرئاسة، وهو البرنامج الذي مازال يتبناه ويتمسك به رغم أنه يعلم يقيناً أن حركة حماس والعديد من فصائل العمل الوطني لا تتبنى بل تعارض ذلك البرنامج.

وفي كلمته في الاحتفال أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، أن حركته ستمنح خيار المفاوضات فرصة عام، إن تطلب الأمر ذلك، الأمر الذي فسره الكثير من المراقبين على أنه خطوة متقدمة أخرى من قبل حماس نحو الاعتدال، والاستعداد للانخراط في العملية السياسية بعد خطوات سبقت مثل قبول الحركة هدف إقامة دولة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعرضها هدنة طويلة مع الاحتلال، وممارستها التهدئة، ويبدو أن ثمة من يهمس في أذن الرئيس محمود عباس، منتقداً الاستعجال في توقيع اتفاق المصالحة، ذلك أن هؤلاء يعتقدون بأن حركة حماس في وضع ضعيف، بسبب جملة من التغيرات العربية، وأن المزيد من الصبر، سيجعلها مستعدة لتقديم تنازلات خصوصاً في مجال السياسة.

وحقيقة الأمر أن الزيارة المتزامنة التي قام بها كل من الرئيس عباس وخالد مشعل إلى تركيا مؤخراً، لا يمكن تفسيرها على أنها محاولة للاستقواء بالأتراك لإقناع حماس بقبول ترشيح فياض لرئاسة الحكومة ولا بالتأكيد على محاولة لاستبدال الراعي المصري الذي يحرص الطرفان على مركزية دوره.

إذا أخذنا بعين الاعتبار أن تركيا دولة أطلسية وتسعى كل الوقت للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وهي تعترف بإسرائيل وتقيم معها شراكات واسعة، فإن علينا أن نتوقع دوراً تركياً يسعى لإقناع حركة حماس بالانخراط في العملية السياسية وهو ما سبق وصرح به علنياً وزير الخارجية التركي السابق علي باباجان.

سألت أحد قياديي حركة حماس عن ذلك فأجاب أن تركيا طلبت من الحركة الاعتراف بإسرائيل، لكن علاقات الحركة مع تركيا لا تسمح بالإعلان عن ذلك. فهل يتم توظيف الظروف الجديدة، واتفاق المصالحة، لتأمين «إجماع» فلسطيني حول التسوية، خصوصاً وأن مسؤولاً أوروبياً رفيعاً صرح مؤخراً أنه لا يمكن تحقيق سلام بالقفز على حركة حماس. إن فعلت حماس ذلك فإنها ستذهب إلى الانتحار، لكن ثمة أساليب وصيغ أخرى قد يؤخذ بها، لتحرير اتفاق المصالحة الذي ينبغي أن ينطلق قريباً نحو التنفيذ.

Email