جورجيا وتحدي العملاق الروسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يعلم على ماذا يراهن رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي في تحديه السافر والمستمر لروسيا، وكم من الفرص أضاعها، وكان من الممكن، ليس فقط أن تقيه شر العملاق الروسي، بل وتُحسن بعض الشيء من شعبيته المنهارة في الشارع الجورجي، الرافض للخلافات مع الجارة الكبيرة روسيا التي يعتمد عليها الاقتصاد الجورجي بنسبة تتعدى الثمانين في المائة.

وآخر الفرص الضائعة من النظام الحاكم في جورجيا، كانت منذ أيام قليلة بمبادرة من شخصية معروفة، هي المحلل السياسي الجورجي ماموكا أريشيدزه الذي لا يشغل أي منصب رسمي، لكنه من الشخصيات الجورجية التي على علاقات طيبة مع موسكو.

فقد طرح أريشيدزة على النظام الجورجي اقتراحا بأن يعترف باستقلال جمهورية أبخازيا، مقابل انسحاب القوات الروسية منها، ورفض النظام الجورجي الاقتراح بينما لم تعلق موسكو عليه، مما يعطي إيحاء بأن هناك موافقة روسية على هذا الاقتراح الذي قد ينهي الأزمات بين جورجيا وروسيا.

وسوف يضمن أمن جمهورية أبخازيا الصغيرة المستقلة عن جورجيا، باعتبارها ستصبح دولة مستقلة محمية من المجتمع الدولي، كما أن هذا الاقتراح سيفتح المجال بشكل مباشر للاعتراف باستقلال جمهورية أوسيتيا الجنوبية المستقلة أيضا عن جورجيا، وبالتالي تنتهي النزاعات وتهدأ المنطقة ويكسب ميخائيل ساكاشفيلي شعبية جديدة تعوضه ما فاته.

رئيس جورجيا السابق إدوارد شيفرنادزة، الذي أزاحه ميخائيل ساكشفيلي من الحكم بانقلاب سياسي مدعوم من واشنطن عام 2003، تحت مسمى "الثورة الوردية" التي كانت بداية للثورات الملونة في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق، تدخل شيفرنادزة ليطالب نظام ساكاشفيلي بقبول الاقتراح المطروح، قائلا "إنه اقتراح صحي ويضع حلا نهائيا للأزمة المشتعلة في المنطقة". وفي حديث له لصحيفة جورجية يوم 27 يونيو المنصرم، قال شيفرنادزة "لم تعد أبخازيا قادرة على أن تكون جزءاً طبيعيا من جورجيا.

وقد تفقدها جورجيا تماما. ولكننا على الأقل نستطيع إقامة تعايش سلمي وعقد علاقات تجدر بشعوب متآخية. لا أستبعد أن تصبح هذه الفكرة أساساً، ليس فقط لعودة اللاجئين، ولكن لتعايشنا، وقد يتطلب هذا الأمر ما يتراوح بين 10 و15 عاما".

ورغم أن شيفرنادزة كان قد سبق أن صرح تصريحات ضد روسيا، عندما اعترفت في أغسطس عام 2008 باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، واعتبر هذا الاعتراف اعتداء على سيادة جورجيا ووحدة أراضيها، إلا أن شيفرنادزة عاد ليعترف بأن النزاع في أبخازيا لا يمكن حله من دون روسيا، وأضاف للصحيفة قائلا: "إن روسيا دولة قوية، وهي الوحيدة التي تستطيع أن تفوز في أي حرب مع أوروبا أو أي قوة أخرى، ولذلك لا يجب علينا الدخول في المواجهة معها.

لأن الغرب لن يسمح بأن تتدهور علاقاته مع روسيا بسبب جورجيا". وأكد الرئيس الجورجي السابق على أن "مفاتيح حل النزاع في أبخازيا لا توجد في فرنسا أو أي دولة أوروبية أخرى، ولكن فقط في موسكو"، وأضاف: "إذا استطعنا إقامة علاقات مع روسيا، سنعيش حياة طبيعية، وإذا لم نستطع فمصيرنا كالح".

ما قاله شيفرنادزه حقيقة وواقع يستوعبه ويعرفه كل من في جورجيا وحتى خارجها، ولكن على ما يبدو أن لدى الرئيس الجورجي ساكاشفيلي رأيا آخر يختلف عن الجميع، وأن لديه أهدافا أخرى خفية على الكثيرين، والدليل على ذلك إصراره على تحدي روسيا واستفزازها، بشراء وجلب المزيد من السلاح للجيش الجورجي، الأمر الذي يبدو معه أنه يستعد للدخول في حرب جديدة مع روسيا، وأن هناك من يحرضه على هذه الحرب ويدفعه لها.

وكانت قد نمت معلومات استخباراتية لموسكو، تفيد بأن الولايات المتحدة تتطلع لتوريد أسلحة تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات، إلى جورجيا عن طريق بلدان أخرى، تلبية لطلب مبعوث الرئيس الجورجي، باراميدزه، الذي حمل إلى واشنطن في ديسمبر الماضي مطلب إمداد الجيش الجورجي بأسلحة قادرة على مقاومة صواريخ "س-300" و"سميرتش"، التي نصبتها روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية "توطئة لشن عدوان على جورجيا".

ومن الممكن أن تمد الولايات المتحدة جمهورية جورجيا بصواريخ "باتريوت" و"ستينغر" وجافيلين" و"هيلفاير 2"، وتخرق بالتالي حظرا غير رسمي فرضته جميع دول العالم تقريبا على تصدير الأسلحة إلى جورجيا، إثر قيامها باعتداء على جمهورية أوسيتيا الجنوبية في أغسطس 2008.

ويشار إلى أن واشنطن تستمر في دعم القيادة الجورجية، التي أشعلت نار الحرب في القوقاز عام 2008 وتخطط للمزيد من الاعتداءات على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، رغم أن إدارة الرئيس باراك أوباما تحرص على التزام سياسة تحسين العلاقات مع روسيا التي انبرت لرعاية هاتين الدولتين.

Email