صدام العمالقة قادم في القطب الشمالي

على ما يبدو أن منطقة القطب الشمالي، كما توقع الخبراء والمراقبون، سوف تشهد صراعا حادا في الفترة القادمة، قد يتصاعد ويتحول إلى صدام مسلح بين قوى كبيرة، فقد صرح مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى أن المصالح الروسية في منطقة القطب الشمالي أخذت تتعرض في الآونة الأخيرة لتهديدات واضحة من جانب دول حلف الناتو وعدد من بلدان شرق آسيا.

وفي اجتماع للهيئة الاستشارية العليا للشؤون البحرية الروسية عقد في السادس من يوليو الجاري، قال القائد العام للأسطول الحربي الروسي فلاديمير فيسوتسكي إن وزارة الدفاع الروسية نمت إليها معلومات مؤكدة على أن حلف شمال الأطلسي يتعامل مع منطقة القطب الشمالي كجزء من نطاق مصالحه الإستراتيجية الهامة.

وأن تحركات قوات الحلف في القطب أخذت طابعا منتظما وواضحا طيلة الفترة الماضية، وقال فيسوتسكي إن بعض الدول الاسيوية بدأت تمارس أنشطة في القطب، ولم يحدد نوع الأنشطة، لكنه ذكر من هذه الدول الصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، وأكد على أن روسيا لن تسكت على هذه الأنشطة، بل بدأت بالفعل في الاستعدادات للتعامل معها.

حيث قامت بتحديث أساطيلها البحرية العاملة في الشمال بهدف زيادة إمكانياتها القتالية، كما بدأت سفن البحرية الروسية في إجراء مناورات وتدريبات عسكرية في عدة موانئ في المنطقة الشمالية، كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية منذ أيام أنها بصدد التخطيط لنشر قوات عسكرية مدربة على عمليات التدخل السريع في منطقة القطب الشمالي.

من جانبه صرح أمين عام حلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن الأسبوع الماضي بأن الناتو كحلف عسكري لا يخطط للتواجد في منطقة القطب الشمالي (أركتيكا)، لكن راسموسن قال في محاضرة ألقاها أمام مجموعة من طلبة الأكاديمية البحرية العسكرية الروسية في سان بطرسبورغ، أنه لا يستبعد أن تضع دول منفردة من أعضاء الحلف خططا خاصة بها في هذه المنطقة نظرا لقربها الجغرافي منها أو لوجود مصالح قومية لها هناك أو لاعتبارات جيوسياسية أخرى.

وتابع قائلا إن قيادة الحلف تأمل في أن تتمكن الدول المنتمية إلى الناتو من إيجاد قواسم مشتركة مع روسيا في منطقة القطب الشمالي من أجل التصدي الجماعي للتحديات التي نشأت أو قد تنشأ في هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة.

الحقيقة أن روسيا اعتادت أن تسمع من راسموسن بالتحديد كلمات مطمئنة في كافة القضايا، لكنها للأسف بعيدة عن الواقع والحقيقة، فلطالما تحدث منذ توليه أمانة الحلف عن تفاهم كامل بين روسيا والحلف في كافة القضايا، وخاصة في قضية الدرع الصاروخي في أوروبا، في حين أن هذا التفاهم ليس له أي وجود على أرض الواقع، والصراع على القطب الشمالي بدأ منذ عدة سنوات مع بدايات تغير مناخ الأرض وارتفاع درجات الحرارة وبداية ذوبان ثلوج القطب، الأمر الذي سيسهل الوصول إلى ثروات المحيط المتجمد الشمالي الهائلة من مصادر الطاقة وغيرها.

كما أن الحديث عن خطط حلف الناتو في منطقة القطب يدور، حتى قبل تولي راسموسن أمانة الحلف، فقد عقد الحلف في يناير عام 2009 اجتماعا مخصصا لبحث ما تواجهه دول الحلف من تحديات في منطقة القطب الشمالي، وأشار البيان الصادر عن هذا الاجتماع إلى أن منطقة القطب الشمالي محط «الاهتمام الإستراتيجي» للحلف، وأن الضرورة تقتضي «تتبع تطورات الوضع هناك بصفة مستمرة».

وسبق أن صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في الأيام القليلة المقبلة ان الإدارة الأميركية الجديدة تضع الدخول إلى منطقة القطب الشمالي في بؤرة اهتمامها.

وكانت وزارة الدفاع الروسي قد أعلنت صراحة بأن الأسطول الروسي سيأخذ بعين الاعتبار في خطط الإعداد العسكري عامل تواجد سفن تابعة لحلف الناتو في المحيط المتجمد الشمالي، وأكدت أن القيادة العسكرية ستولي اهتماما خاصا لقضية الدفاع عن مصالح روسيا في منطقة المحيط المتجمد الشمالي وأنها سترد بشكل مناسب على محاولات «عسكرة» المنطقة.

وكان الرئيس الروسي ميدفيديف قد أعلن أن روسيا سوف تضع قانوناً يحدد ملكيتها في القطب الشمالي، وردت الخارجية الأميركية على هذا قائلة «إن أي قانون روسي عن هذا الشأن لن يحظى بأي اعتراف دولي»، وقال ميدفيديف ان منطقة القطب الشمالي تشغل لدى روسيا أهمية استراتيجية بالغة.

وأن هناك استراتيجية لتحويل هذه المنطقة إلى قاعدة للموارد الطبيعية لروسيا في القرن الواحد والعشرين، وأن هذه إحدى المهمات الرئيسة أمام الدولة الآن، وأضاف ميدفيديف «سنسعى إلى إثبات حقنا وحماية مصالحنا في هذه المنطقة بمختلف الوسائل، وهذا واجبنا تجاه الأجيال القادمة»، وأكد ميدفيديف على تمسك روسيا بحقها وإعطاء هذه المنطقة أهمية استراتيجية؛ لأنها ستعزز القدرة التنافسية لروسيا في أسواق الطاقة العالمية في المستقبل. كل هذه الأمور تنبئ في رأي بعض الخبراء عن صراع حاد قادم في القطب الشمالي ستصطدم فيه القوى العظمى بشكل مباشر.