تعد روسيا من أكثر الدول التي تتردد فيها وحولها اتهامات معاداة السامية، وأكثر بكثير من دول عربية وإسلامية على عداء مستحكم مع إسرائيل، ولا تمضي أيام أو شهور قليلة، حتى تقع حوادث أو أزمات سياسية أو اجتماعية تتصاعد معها في روسيا حدة الاتهامات بالعداء للسامية.

وآخر هذه الأحداث في الأسبوع الماضي حدثان، أحدهما على المستوى الرسمي السياسي، والآخر على المستوى الشعبي الاجتماعي.

أما الأول الرسمي، فقد أثير في أعقاب فشل مباحثات لجنة الرباعية الدولية في واشنطن، في الوصول إلى نتائج إيجابية حول مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تصدت روسيا لمحاولة البعض في الرباعية الدولية تبني موقف يدعو الفلسطينيين إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، في مقابل إقرار حدود الرابع من يونيو 1967 كأساس للمفاوضات من جهة، والامتناع عن طرح عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة من جهة أخرى. وتصدت روسيا لهذا المشروع بصرامة، معبرة عن رفضها القاطع لمبدأ الدولة الدينية، الأمر الذي أغضب اليهود واعتبروه عداء روسيا رسميا للسامية.

أما الحدث الآخر على المستوى الاجتماعي الشعبي، فهو تعرض أحد المعابد اليهودية في موسكو ليلة 12 تموز (يوليو)، إلى اعتداء من عدد من الشباب المنتمين لتنظيمات قومية متطرفة، قاموا خلاله بإلقاء زجاجات حارقة على المعبد الذي يقع وسط العاصمة الروسية. ورغم عدم وقوع ضحايا ولا حرائق، إلا أن كبير حاخامات روسيا أدولف شايفيتش، اعتبر هذا الحادث بمثابة مظهر لمعاداة السامية السائدة في روسيا، ودعا إلى ضرورة العمل على اجتثاث هذا العداء، كما طالب اتحاد الجمعيات اليهودية في روسيا السلطات الأمنية بالتعامل مع محاولة إشعال النار في المعبد، باعتبارها جريمة تهدف إلى إشعال نار التعصب الديني، وليس مجرد عمل من أعمال الشغب.

مثل هذه الأحداث تتكرر بصورة مستمرة، وكما قلنا، على المستويين الرسمي والشعبي. وربما نتذكر الزيارة التي قام بها رئيس روسيا السابق (رئيس الوزراء الحالي) فلاديمير بوتين لإسرائيل عام 2005، عندما رفض الوقوف عند حائط المبكى، ورفض وضع القلنسوة اليهودية على رأسه، كما رفض إشادة أحد الصحافيين اليهود بدور روسيا في إنقاذ الشعب اليهودي من النازية في الحرب العالمية الثانية، ورد عليه بحدة قائلا: إن روسيا حاربت من أجل إنقاذ البشرية كلها، وليس من أجل شعب أو قومية محددة، واتهمت صحف إسرائيلية بوتين حينها بالعداء للسامية.

وقد أقر الرئيس الروسي دميتري مدفيديف الأسبوع الماضي، بوجود مشكلة التمييز على أساس عرقي وقومي في روسيا، وقال في كلمة ألقاها في اجتماع لمجلس حقوق الإنسان عقد في مدينة نالتشيك في جنوب روسيا، إن هذه المشكلة تعتبر من السمات المميزة التي تتصف بها الحياة الاجتماعية في روسيا الاتحادية كلها، ومن الصعب إيجاد حل لها في مجتمع قائم على عرقيات وقوميات متعددة ومختلفة ومتناقضة.

العداء أو الكراهية لليهود في المجتمع الروسي، له جذور تاريخية تعود لقرون طويلة مضت، وليس له أسس دينية على الإطلاق، بل ينبع من ممارسات سياسية واجتماعية لليهود، كانت تجعلهم دائما منبوذين ومحل هجوم وشكوك كثيرة.

ولم يكن هذا العداء واضحا ومحددا في زمن الاتحاد السوفييتي، حيث كان العداء والاضطهاد شاملا لكافة الأديان والأعراق والقوميات، ولكن رغم هذا كان النظام السوفييتي يتعامل بحذر خاص مع اليهود، وكانوا مستبعدين من الوظائف المهمة والأماكن الحيوية والاستراتيجية، وذلك ليس لأنهم يهود، ولكن لاهتمام الغرب بهم بعد تأسيس دولة إسرائيل، وممارسة الضغوط على الاتحاد السوفييتي للسماح لليهود السوفييت بالهجرة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ظهرت النعرات والجماعات القومية المتعصبة، مثل حليقي الرؤوس والجماعات اليمنية التي يرسم أعضاؤها رمز النازية على الجدران، ويعلنون عداءهم لليهود ويهاجمون معابدهم.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي زادت الهجمات على اليهود الروس وعلى معابدهم وممتلكاتهم، وأيضا مقابرهم، وفي عام 2007 تعرض معبد يهودي في مقاطعة فلاديفوستوك، ومعابد في مدن أخرى، لعمليات تخريبية، وترك المخربون على الجدران شعارات نازية تهدد بحرق اليهود.

وعلى المستوى السياسي ظهرت معاداة السامية خلال حملة انتخابات الرئاسة الروسية عام 2007، من خلال مواقع على الانترنت تتهم المرشحين بالأصول اليهودية، ومنهم الرئيس ديمتري مدفيديف، الذي قيل إن له جذورا يهودية ولا يصلح لرئاسة روسيا.

وليس من المتوقع أن تهدأ حملة العداء للسامية في روسيا، خاصة مع عودة الآلاف من المهاجرين اليهود من إسرائيل إلى وطنهم الأصلي روسيا، بعد تحسن الأوضاع الاقتصادية فيها، وبعد أن أصبحت الحياة في روسيا بالنسبة لهم أفضل بكثير من الحياة في إسرائيل. ولأنهم اعتادوا في تاريخهم أن يكونوا جماعات خاصة بهم مغلقة عليهم، فإنهم يعودون لروسيا ليجدوا العون لهم من الكثير من رجال الأعمال اليهود أصحاب النفوذ في عالم المال و«البيزنس»، الأمر الذي يزيد من الحقد والكراهية وحملات العداء والهجوم عليهم.