روسيا والصين ثنائي الرعب للغرب

لم يعد خافيا على أحد مدى قوة ومتانة العلاقات الروسية الصينية الآن بالتحديد، ومدى التطابق الكامل بين موسكو وبكين في المواقف السياسية الخارجية تجاه مختلف القضايا على الساحة الدولية، وربما يعكس هذا بوضوح موقف البلدين تجاه ما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط، حيث مواقف البلدين متطابقة تماما تجاه ما يحدث في ليبيا وسوريا وباقي بلدان المنطقة، وردود الفعل من الآخرين تجاه البلدين واحدة، حتى وإن بدت موسكو في الواجهة نظرا للنشاط الأكثر لها على مستوى الدبلوماسية الخارجية، ولكن هذا لم يمنع أن يلقى العلم الصيني مصير العلم الروسي عندما أشعل المتظاهرون السوريون النار في العالمين اعتراضا على موقفهما الذي فهمه المتظاهرون على أنه تأييد للنظام الحاكم ضد الشعب، وهو أبعد من ذلك كثيرا.

لا شك أن التقارب الروسي - الصيني يشكل قلقا بالغا لدى دوائر غربية عديدة، وعلى رأسها واشنطن، وإن لم يعبر أحد في الغرب عن ذلك صراحة إلا أنه أمر بديهي، خاصة وأن العلاقات بين البلدين تجاوزت حد التفاهم السياسي والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، ووصلت إلى مستوى التعاون الإستراتيجي والعسكري الذي يشبهه البعض بالتحالف الخفي، وهذا ما لم يكن يتوقعه الغرب ولم يعمل حسابه له.

فعلى مدى نحو نصف قرن بعد الحرب العالمية الثانية لم تشعر كل من روسيا والصين بحاجة أحدهما للتحالف مع الآخر أو الدخول معا في تنظيمات إقليمية، بل على العكس كان التنافر والتناقض والخلافات قائمة دائما بين الدولتين الكبيرتين اللتين تمثلان آنذاك قيادة العالم الشيوعي والاشتراكي في العالم، ناهيك عن صراعات مباشرة بينهما وصلت إلى حد الصدام المسلح بسبب الخلافات حول الحدود الممتدة بينهما لمسافة 4300 كيلومتر.

هذا على الرغم من اتفاقهما على أن هناك عدوا مشتركا يستهدفهما معا، وهو الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، إلا أنهما لم يفكرا طيلة هذه العقود الطويلة من الحرب الباردة وما بعدها في توحيد جهودهما في جبهة واحدة ضد هذا العدو، وبينما كانت الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن على أشدها في منتصف السبعينات ذهبت بكين تتقارب مع واشنطن في إطار سياسة الاحتواء التي ابتدعها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون، واعتبرت موسكو هذا الأمر خيانة من الصين للمبادئ الشيوعية الماركسية ولنضال الطبقات العاملة في كل أنحاء العالم، وروج الاتحاد السوفييتي لهذا الأمر بالدرجة التي أدت إلى إضعاف التواجد الصيني في العديد من الدول الشيوعية، ثم عاد البلدان ليتبادلا مواقع الاتهام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتخلي روسيا التام عن المبادئ الشيوعية وعن الماركسية اللينينية.

واعتبرت الصين هذا الأمر خيانة للطبقات العاملة في أنحاء العالم. وظل الحال على ما هو عليه حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما أعلن حلف شمال الأطلسي عن خططه التوسعية نحو الشرق، حينذاك شعر البلدان معا بالخطر المشترك القادم نحوهما، وزاد هذا الأمر مع إعلان الولايات المتحدة نفسها كقطب أوحد يوجه العالم لتحقيق مصالحه الخاصة، ورغم أن تحركات حلف الناتو كانت موجهة نحو الحدود الروسية إلا أن الصين استشعرت الخطر القادم إليها فيما بعد عندما تصبح قواعد حلف الناتو العسكرية بالقرب من حدودها.

وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والتي أعلنت بعدها الولايات المتحدة عن حملتها العسكرية ضد ما أسمته بالإرهاب الدولي، واختارت أفغانستان نقطة الهجوم الأولى لتوجيه قواتها وقوات حلف الناتو إليها، حينذاك استشعرتا كل من موسكو وبكين معا أن هناك خطرا كبيرا يستهدفهما معا، خاصة بعد أن زرعت الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في دول آسيا الوسطى الواقعة بين روسيا والصين، وبدا واضحا للبلدين أن هناك مخططات لتصدير الإرهاب من أفغانستان واسيا الوسطى إليهما، حيث اشتعلت الحركات الانفصالية والعمليات الإرهابية في منطقة شمال القوقاز جنوب روسيا، بينما ظهرت بوادر الاضطرابات في الأقاليم الشمالية الشرقية من الصين التي تسكنها أقليات مسلمة.

حينذاك قررتا روسيا والصين، ولأول مرة في تاريخهما، أن يتقاربا ويتحدا من أجل مواجهة الخطر المشترك، وكانت دول اسيا الوسطى تشكل بالنسبة لهما نقطة ضعف كبيرة، حيث التواجد العسكري الأميركي في هذه الدول، وحيث الحدود المفتوحة وغير الخاضعة للمراقبة لهذه الدول مع روسيا والصين، مما يسمح بتسرب الجماعات الإرهابية والمخدرات من أفغانستان عبر دول اسيا الوسطى إلى كل من روسيا والصين. من هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس " منظمة شنغهاي للتعاون" في عام 2001 بمبادرة صينية رحبت بها روسيا لتضم معهما أربع جمهوريات من اسيا الوسطى هم كازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان.

وتحولت منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة روسيا والصين إلى قوة إقليمية حقيقية في الشرق، وباتت تشكل خطرا وتهديدا واقعيا للمصالح والإستراتيجيات الأميركية في منطقة وسط اسيا وفي أفغانستان أيضا، وباتت العديد من الدول ترغب في اكتساب عضوية هذه المنظمة الجديدة التي تقودها أكبر قوتين في القارة الاسيوية وفي العالم، بعد الولايات المتحدة، وباتت الدول التي تتمتع بصفة مراقب في المنظمة مثل الهند وإيران وباكستان وأفغانستان تطمح للعضوية الكاملة في المنظمة.

وهكذا تتطور العلاقات بين روسيا والصين بوتائر منتظمة باتت تشكل قلقا كبيرا للغرب وواشنطن، ليس فقط على المستويين السياسي والإستراتيجي العسكري، ولكن أيضا على المستوى الاقتصادي، خاصة وأن البلدين من أقل الدول الصناعية الكبيرة تضررا من الأزمة المالية العالمية.