الهند أمل أميركا في اسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من التواجد العسكري الأميركي وحلف الناتو في أفغانستان على مدى ما يقرب من عقد كامل مضى، إلا أنه من الواضح أن النفوذ الأميركي في القارة الآسيوية العملاقة آخذ في التقلص والتراجع منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حتى الآن.

خاصة بعد التقارب الواضح بين روسيا والصين سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومع النشاط المتزايد لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تضم مع روسيا والصين دول وسط آسيا، كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزيا وطاجيكستان، والتي لها دور كبير في تقليص الوجود العسكري الأميركي في وسط آسيا بعد طرد القاعدة العسكرية الأميركية من أوزبكستان، وقد أجرت دول شنغهاي عدة مناورات عسكرية مشتركة وواسعة النطاق بينهم خلال الأعوام القليلة الماضية.

ودعيت دول مثل إيران والهند وباكستان لحضور هذه المناورات باعتبارهما مراقبين في منظمة شنغهاي، بينما رفضت المنظمة الطلب الذي قدمته واشنطن لحضور هذه المناورات. وعلى جانب آخر ينمو بشكل ملحوظ التعاون العسكري بين عمالقة آسيا الثلاثة، الصين والهند وروسيا، ويشكل السلاح الروسي للبلدين أكثر من نصف صادرات روسيا من السلاح، بينما يشكل في نفس الوقت سبعين في المائة من تسليح الجيش الهندي ونحو نصف تسليح الجيش الصيني.

وتأتي إيران وباكستان ليكملا العملاق الخماسي الآسيوي الذي يحرك ويتحكم في موازين القوى في هذه القارة العملاقة، ولا يمكن لأي قوة أجنبية أن يكون لها وجود استراتيجي في هذه القارة سوى باختراق هذا الخماسي العملاق ومن خلاله، ومع تراجع العمليات العسكرية الأجنبية في أفغانستان والمشاكل المعقدة التي يواجهها حلف الناتو والتحالف الأجنبي بقيادة واشنطن هناك، تصبح الخريطة السياسية الآسيوية معقدة للغاية أمام الاستراتيجية الأميركية، خاصة مع تراجع العلاقات الأميركية مع باكستان بعد عملية اغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن التي أثارت سخطا وغضبا واسعا في باكستان على المستويين الشعبي والرسمي.

روسيا والصين وإيران، كثلاثي يعتبر أوراق محروقة لا أمل فيها بالنسبة لواشنطن، ولا يبقى أمام واشنطن من أمل سوى الهند باعتبارها الدولة الأكثر انفتاحا على الغرب سياسيا وأيديولوجيا، وقد حاولت واشنطن مرارا وتكرارا اختراق العلاقات الروسية الهندية القوية والمستقرة على امتداد قرابة نصف قرن مضى منذ زمن الاتحاد السوفييتي.

حيث كانت الهند الدولة الوحيدة من المجتمع الرأسمالي التي تربطها بالاتحاد السوفييتي علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية للغاية، وظلت هذه العلاقات مستمرة ونامية حتى الآن، حتى أطلقوا عليها في واشنطن صفة «الزواج الكاثوليكي» الصعب الانفصال.

لكن على ما يبدو أن واشنطن لم تفقد الأمل في الهند، وحاولت مرارا وتكرارا التقارب وطلب الود، ولكن كانت المحاولات تبوء بالفشل لأنها لم تكن دائما مغرية للهند بالدرجة التي تعوضها عن علاقاتها مع موسكو، وذلك نظرا لأن طموحات واشنطن في الهند كبيرة، وليست مجرد علاقات تعاون عادية، بل تبلغ هذه الطموحات مستوى الحد من نمو التعاون العسكري بين الهند وروسيا.

لقد كانت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي أوباما للهند في نوفمبر الماضي مؤشرا واضحا على نية واشنطن السعي لكسب الهند لصفها كحليف استراتيجي على الساحة الآسيوية، كما جاءت الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للهند لتعكس بشكل واضح الاهتمام البالغ لدى واشنطن بتوطيد العلاقات مع نيودلهي، كما عكست نية واشنطن استبدال الحليف القديم باكستان بحليف جديد هو الهند، وقد دل على ذلك تصريح كلينتون التي قالت فيه « إن الولايات المتحدة والهند حليفان ضد الإرهاب"، وهو ما كانت تردده واشنطن عن باكستان، .

كما جاءت الزيارة بعد أيام قليلة من قرار واشنطن إلغاء مساعدات عسكرية لباكستان قيمتها تقترب من المليار دولار، كما انطلق مؤخرا ما يسمى « الحوار الاستراتيجي الهندي الأميركي» والذي شارك فيه كبار المسؤولين من البلدين، وتأمل الهند أن تصل مع واشنطن إلى قرار بمنع المساعدات العسكرية الأميركية لباكستان نهائيا والبالغ قيمتها نحو مليارين من الدولارات سنويا.

لا شك أن تطور العلاقات بين واشنطن ونيودلهي أمر يثير قلق وإزعاج روسيا والصين، وربما إيران أيضاً باعتبارها العدو الأبرز لواشنطن على الساحة الآسيوية، لكن موسكو تتعامل مع الأمر بشكل هادئ لعلمها أن هذه العلاقات مهما نمت لن يتمخض عنها ما تطمح له واشنطن، ليس فقط لثقة موسكو التاريخية في الهند وسياساتها الواعية.

ولكن أيضاً لثقة موسكو بأن اليمين المحافظ لأميركي لن يقبل باستبدال الحليف التاريخي باكستان الذي تربطه بواشنطن واليمين المحافظ الأميركي علاقات قوية للغاية وتبلغ حد الغموض، على علاقات بالهند التي يرى هذا اليمين المحافظ أنها يربطها بروسيا ما أسموه بـ «زواج كاثوليكي» لا تقوى جهة على فك ارتباطه.

Email