رغم ما حققه فلاديمير بوتين من إنجازات أثناء فترتي رئاسته لروسيا حتى عام 2008، ورغم انكسار الأضواء بعض الشيء عنه بعد ذلك أثناء توليه منصب رئيس الوزراء، وزيادتها على الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف الذي أتى به بوتين بنفسه للحكم، ورغم ما تتعرض له الحكومة التي يرأسها بوتين من انتقادات من المعارضة وجهات أخرى، بسبب إخفاقها في بعض القضايا، إلا أن المراقبين واستطلاعات الرأي، تقول إن شعبية بوتين الآن أكبر بكثير مما كانت عليه أثناء الرئاسة، وهذا ما تعكسه اهتمامات الإعلام المحلي والخارجي، الذي يتعامل مع بوتين على أنه الشخصية الأولى والأجدر بالاهتمام، وسط ما يشاع من أنه هو صاحب القرار في روسيا، وأن الرئيس ميدفيديف مجرد منفذ للقرارات. وهذا في الواقع تصور خطأ للغاية، فلكل من الشخصين تميزه وعمله وجهازه ومهامه الخاصة التي لا يتدخل فيها الآخر، ولكن مستوى التفاهم والترابط بينهما هو الذي يوحي بالشائعات.

شعبية بوتين المتنامية، تدعمها عوامل أخرى في تركيبة شخصية بوتين ذاتها، والتي تجعله جذابا للآخرين، وهذه العوامل لم تكن متوافرة لديه عندما تولى الرئاسة في روسيا عام 2000، لكنها بدأت في الظهور تدريجيا. ومن أهمها؛ الصرامة والقوة وعدم المجاملة والصدق والوطنية الشديدة، لدرجة تقترب من التطرف، على حد قول البعض، والتي اتضحت في ردود فعله الحادة على أي تصرف أو قول يمس كرامة وهيبة الدولة الروسية وشعبها، هذا إلى جانب عوامل سلوكية تجذب الشعب الروسي، مثل الاستقامة وعدم تناول الكحوليات، والصحة الجيدة واستقرار الحياة الزوجية، وهذه الأشياء تتوافر بشكل كبير في شخصية بوتين. وقد انعكست هذه الشعبية في الأيام الماضية في المنظمة الجديدة والغريبة، والجميلة أيضا، التي ظهرت في روسيا مؤخرا وكل أعضائها من الفتيات الجميلات في عمر الشباب، ويتجاوز عددهن الثمانمائة فتاة، أطلقن على أنفسهن اسم "جيش بوتين"، وقد نظمن المظاهرات وخرجن في شوارع العاصمة موسكو، يعلن تأييدهن لترشيح بوتين لرئاسة روسيا، ويرفعن شعارات تقول "نحن نعشق الرجل الوطني الذي أنقذ روسيا من الانهيار وأعاد لها مجدها".

تنامي شعبية بوتين مع اقتراب انتخابات الرئاسة الروسية ربيع العام القادم، يعطي مؤشرا واضحا على رغبة قطاع كبير من الشعب الروسي في عودة بوتين للكريملين، خاصة قطاع الشباب الذي يخشى من سياسة الرئيس ميدفيديف الليبرالية، وانحيازه الواضح لرجال الأعمال في ظل ظروف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، بينما يرى في بوتين المنحاز بشكل واضح للشعب والذي يعطي الأولوية للخدمات الاجتماعية وللشباب، ضمانة لمستقبل أفضل، ويثقون في قدراته على تحقيق ذلك.

رغم هذه الشعبية المتنامية لبوتين، نجد في الغرب من لا يتمنون عودته للحكم في روسيا، ويوجهون الانتقادات لسياساته، ويتهمونه بالديكتاتورية والعداء للديمقراطية، ويصفونه بأنه نموذج "ستاليني" حديث. ووصل الأمر لدرجة أن يمنعوا عنه في ألمانيا جائزة بعد الإعلان عن منحها له، إنها جائزة "كوادريغا" التي تمنح منذ عام 2003 للأشخاص البارزين في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة، الذين يتسمون بروح الريادة والسعي إلى الخير الاجتماعي، وضمن الأشخاص الذين نالوا حتى الآن الجائزة ميخائيل غورباتشوف أول رئيس للاتحاد السوفيتي، والمستشاران الألمانيان السابقان هيلموت كول وغيرهارد شرودر، والرئيس السابق لتشيكيا فاتسلاف هافل، وقد أعلن في 9 يوليو الماضي عن فوز بوتين بالجائزة، وجاء في قرار لجنة المنح أن بوتين يستحق أن يكرس له اليوم فصل في كتاب التاريخ، فهو يشق طريقا لروسيا نحو المستقبل شأنه شأن بطرس الأكبر، وأشادت اللجنة بدور بوتين البارز في تطور العلاقات الألمانية ـ الروسية.

ولم يمض أسبوع واحد حتى أعلنت اللجنة أنها عدلت عن قرار منح الجائزة لبوتين، بعد أن واجهت موجة من النقد في الصحافة والرأي العام، وبعد أن هدد الرئيس السابق لتشيكيا فاتسلاف هافل الحائز على الجائزة عام 2009، بأنه سيقوم بإعادة الجائزة إلى لجنة التحكيم في حال منحها إلى بوتين، الذي وصفه هافل بأنه عدو للديمقراطية والحرية.

بوتين الذي لم يكد يعلق على قرار منحه الجائزة، لم يعلق أيضا على قرار اللجنة بالعدول عن منح الجائزة، بينما تصدى الرئيس ديمتري ميدفيديف، الذي تصادفت زيارته لألمانيا أثناء صدور القرار، فبادر للرد عليه أثناء مؤتمر صحفي جمعه بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حيث وصف مدفيديف القرار برفض منح بوتين جائزة "كوادريغا"، بأنه مثال للتردد والجبن، وقال مدفيديف "إن قصة منح بوتين هذه الجائزة هي وجع في رأس الألمان، وليس الروس. إلا أنه في حال اتخاذ قرار المنح لا بد من تنفيذه، وإلا يعتبر ذلك تعبيرا عن التردد والجبن"، واعتبر ميدفيديف القرار نهاية لمستقبل هذه الجائزة على الساحة الدولية.

في اليوم التالي للإعلان عن العدول عن منح الجائزة لبوتين، خرجت مظاهرة فتيات "جيش بوتين" الجميلات يعلن تأييدهن ودعمهن، ومزق بعض الفتيات ملابسهن في الشوارع هاتفين "نحن من أجل بوتين"، هكذا كان رد الشعب الروسي على منع الجائزة الألمانية عن بطله القومي بوتين.

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي