واشنطن تتهم روسيا باحتلال جورجيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد نشر تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذي تضمن اتهاما ضد روسيا بتورطها في أعمال تفجير إرهابية وقعت في جورجيا خلال خريف العام الماضي بالقرب من سفارة الولايات المتحدة في تبليسي.

اصدر مجلس الشيوخ الأميركي قراراً الأسبوع الماضي يؤكد فيه حرص الولايات المتحدة على وحدة أراضي جورجيا، ويعتبر أن إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أراضي جورجية تقع تحت الاحتلال الروسي.

وطالب القرار موسكو بسحب قواتها من جورجيا، علما بأن الإقليمين كانا قد تم ضمهما لجورجيا في زمن الاتحاد السوفييتي، ثم أعلنا استقلالهما عن جورجيا عام 1993، واعترفت روسيا ودول أخرى باستقلالهما منذ عامين.

ورغم أن موسكو قد نفت صلتها بالتفجيرات التي نفذها الجورجي غوغيتا اركانيا، والذى أدانته محكمة جورجية صيف هذا العام وحكمت عليه بالسجن. واكدت السلطات الروسية أن الضابط الروسي بوريسوف الذي أتهمته تبليسي بتدبير التفجيرات، كان قد غادر أبخازيا قبل شهر من العمليات الإرهابية التي وقعت في جورجيا.

ولم تكن هذه هي البداية، بل جاء التصعيد قبل ذلك بأيام، حيث جاء قرار مجلس الشيوخ الأمريكي باتهام روسيا باحتلال أجزاء من جورجيا عقب قرار السلطات الأميركية بحظر دخول 60 من موظفي الحكومة الروسية إلى الولايات المتحدة، بدعوى تورطهم في ملفات مشبوهة.

ولاشك أن هذه التطورات المتلاحقة تنتقل بالعلاقات بين موسكو وواشنطن إلى حالة جديدة، تختلف عن بدايات تولي اوباما لرئاسة الولايات المتحدة، وحرصه على تحسين العلاقات مع روسيا، وتعكس الأحداث الأخيرة في نفس الوقت بدايات أزمة سياسية قد تتفاقم بين البلدين.

لكن أبرز ما فيها أن ملفات هذه الأزمة مصطنعة، ولا تعبر عن خلافات جوهرية حول قضايا السلم العالمي، حيث إن اللوبي المضاد لروسيا في واشنطن غير راض عن تحسن وتطور العلاقات بين موسكو وواشنطن، ويسعى دائما لاستخدام أوراق ضغط ضد هذه العلاقات، حتى لو كانت أوراقا ضعيفة وغير ذات قيمة، مثل ورقة جورجيا.

وقد كشفت واشنطن عن أهداف أخرى من افتعال أزمة في علاقاتها مع موسكو، إذ طالب السيناتور الأميركي جون كايل بإجراء تحقيق برلماني بشأن انفجارات تبليسي، معتبراً أنه لا يمكن أن تسعى إدارة أوباما إلى اتفاق مع موسكو بشأن الدفاع المضاد للصواريخ في وقت توافق فيه الاستخبارات العسكرية الروسية والحكومة الروسية على تفجير السفارة الأمريكية في جورجيا.

الاتهام الموجه لروسيا باطل، وأجهزة الاستخبارات ألأمريكية تعلم ببطلانه أكثر من غيرها، وإذا اردنا أن نتوغل في الشأن الأمريكي لنعرف أسباب تصعيد هذه الحملة العدائية ضد روسيا في هذا التوقيت بالتحديد، سنجد أن معلومات قد تسربت للكونجرس كشفت عن عزم إدارة أوباما على إطلاع الخبراء العسكريين الروس على كافة البيانات والمعلومات المتعلقة بالجوانب الفنية والقدرات التقنية لعناصر الدرع الصاروخية بناء على طلب الكرملين.

وهذا ما أدى لأزمة سياسية، تمثلت في معارضة أعضاء الكونجرس لهذا الإجراء، باعتباره سيلحق ضررا بالأمن القومي الأميركي، نظير إرضاء موسكو، بهدف سحبها لكافة اعتراضاتها على نشر الدرع الصاروخية، وقد حذرت كتلة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي ربيع هذا العام من سياسات إدارة اوباما وتجاوبها مع مطالب الكرملين، باعتبار أن إطلاع روسيا على هذه المعلومات السرية سيمكنها من إفشال عمليات تدمير وإسقاط الصواريخ التي تهدد أمن أوروبا والولايات المتحدة، بل واعتبر الجمهوريون أن وجود خبرة كبيرة لدى روسيا في التجسس.

بالإضافة لتعاونها العسكري- التقني مع كل من إيران وسوريا، يهدد الأمن القومي الأمريكي، ويستوجب اتخاذ إجراءات حازمة تمنع تسريب أي معلومات عن القدرات العسكرية الأميركية، ولهذا السبب رفض الكونجرس الأميركي خلال مناقشات بنود الميزانية العسكرية المصادقة على بند تمويل إطلاع موسكو على التقنيات السرية لمنظومة الصواريخ الدفاعية الأميركية، ما دفع إدارة أوباما للإعراب عن انزعاجها من القرار، وهددت بالاعتراض عليه، لكن أعضاء الكونجرس صادقوا على الميزانية بعد إلغاء هذا البند.

الجانب الأخر في الأزمة هو توافق المصالح بين واشنطن ونظام حكم الرئيس ساكشفيلي في جورجــيا في التصادم مع موسكو، وهو الجانب الذى تركــز حــوله بــيان وزارة الخارجية الروسية، ردا على قــرار مجلس الشيوخ الأميركي الخاص بمطالبــة روسيا سحب قــواتها مــن إقليــمي أبخازيا وأوســيتيا الجنوبية، إذ كشفت الدبلوماسية الروسية عن مساعي حكومة ساكشفيلي المحمومة، لإثارة نزعات العــداء لروســيا داخــل جورجيا وخارجها أيضا.

والانتقام من موسكو لأنها تساعد هــذين الإقليمين عــلى الحفــاظ على استقلالهما، والمشكلة أن نظام ساكشفيلي لا يتعامل مع إرادة شعبي هذين الإقليمين، بل ولا يكترث لمصيرهما، والمسألة تكمن في رغبتــه في إشــعال فتيل حرب وصدام ضد روسيا، ليس فقط من أجل الانتقام، وإنما لإنقاذ وضعه السياســي المنهار، ومحاولة لجر جورجيا لحرب جديدة، تضمن له البقاء على مقعد الرئاسة، وفي مواجهة تنامي نفوذ المعارضة الجورجية الذى ينذر بخطوات حاسمة لإسقاط ساكشفيلي.

Email