موسكو ترفض تعنت إسرائيل وواشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أيام أعربت مجدداً وزارة الخارجية الروسية عن قلقها الناجم عن إصرار إسرائيل على مواصلة عمليات بناء المستوطنات في القدس الشرقية، واعتبرت أن الخطوة الاستيطانية المتمثلة في السماح ببناء 900 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة هار حوما بالقدس الشرقية، تتخذ على خلفية جهود من قبل رباعي الوسطاء الدولي الساعية لاستئناف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 وأكدت الخارجية الروسية إدانتها للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتباره محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض واستباق نتائج المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حول الوضع النهائي. ويرصد المحللون تغيراً ملموساً في الموقف الروسي باتجاه التشدد في مواجهة السياسات الإسرائيلية والأميركية التي تحاول إفشال عملية التسوية السلمية.

ويبدو واضحاً أن روسيا تدرك أن تسوية الأزمة الشرق أوسطية ترتبط بالمزاج الشعبي العربي الذي لم يعد صامتاً، وإنما بدأ يتحرك في شوارع المدن العربية تحت شعارات سياسية، سرعان ما ستصل إلى الملف الشرق أوسطي. وهو ما عكسه مسار السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 25 يناير.

ويعتبر الكثيرون أن جهود موسكو خلال اجتماع رباعي الوسطاء الدولي الأخير، وإصرارها على عدم إصدار بيان عن هذا الاجتماع يضع كافة الأطراف أمام استحقاقات أكثر جدية، وابتعاداً عن التحركات الشكلية التي لا تحقق أي نتائج على أرض الوقائع. لذلك تميز الموقف الروسي في اجتماعات رباعي الوسطاء الدولي بالحزم، والإصرار على منع الوسطاء من تبني موقف يساوم الفلسطينيين على ثوابتهم، ويفرض عليهم الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، مقابل إقرار حدود يونيو 1967 كأساس للمفاوضات، إضافة للامتناع عن طرح عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

وكان البديل أما أن يتعامل رباعي الوسطاء مع الملف الشرق أوسطي كوسيط يسعى لمراعاة مصالح كافة الأطراف، أو ليصمت ولا يتدخل. لقد سعت واشنطن لإجبار الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية مقابل حقوقهم التي أقرتها كافة القرارات والمواثيق الدولية، ما يعني تجاهلاً من جانب الولايات المتحدة لإرادة المجتمع الدولي، وابتزاز الشعب الفلسطيني الذي يكافح على مدار سنوات طويلة للحصول على حقوقه المشروعة.

موسكو ترفض الأسلوب الأميركي في مساومة الشعوب على حقوقها وعلى ثوابتها مقابل وعود مشكوك في جديتها، والمشكلة التي تعيق استئناف الحوار السلمي هي العنجهية الإسرائيلية التي ترفض أن ترى أو تستوعب الخارطة الجيوسياسية الجديدة التي يرسمها ربيع الثورات العربية، والتي حتى لو أراد رباعي الوسطاء أن يتجاهل فاعليتها وجدية تأثيراتها، فلا يمكن أن يتجاهل توجهاتها.

وترى موسكو أن التشدد والتطرف في السياسة الإسرائيلية لم يعد يجدي في ظل التطورات على الساحة العربية، وفي ظل تنامي المد الثوري في الشارع العربي، ونرى أنه في الوقت الذي تعاني فيه إسرائيل من تدهور في علاقاتها مع القاهرة، بسبب تنامي تأثير المزاج الشعبي على مسار السياسة الخارجية المصرية، يخرج علينا المدعو افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي بدعوة لقطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية بما فيها التعاون الأمني، على خلفية سعى الفلسطينيين للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة مستقلة على حدود 1967.

ويوزع ليبرمان الاتهامات يميناً ويساراً، وتتضمن تصريحاته اتهاماً صريحاً للسلطة الفلسطينية بالتخطيط لتنظيم أعمال عنف وسفك دماء على نحو غير مسبوق، وذلك على ضوء الاقتراع في الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر القادم.

موسكو ترى أن إصرار حكومة تل أبيب على تصعيد التوتر والصدام في المنطقة، لابد وأن يؤدي لتفجير أزمة حقيقية قد تؤدي إلى حرب جديدة، وهو ما كشف عنه بعض المحللين الإسرائيليين، باعتبار أنه السبيل لإيقاف موجة الثورات العربية التي بدأت تسقط الأنظمة الحاكمة، والتي بصرف النظر عن موقفها من إسرائيل، إلا أنها فرضت وضعاً سياسياً وعسكرياً في المنطقة، يلائم مصالح حكومة تل أبيب، ويشكل خطراً يهدد أمن إسرائيل.

ويرى البعض أن هذه الحرب ستؤدي لتراجع موجة العداء ضد إسرائيل، باعتبار أن البلدان العربية ليست مستعدة لخوض صراعات مسلحة أو معارك. وستقتصر سياساتها المعادية لإسرائيل على مواقف سياسية وتصريحات، يجب إفراغها من محتواها حتى لا تعيق سياسات واشنطن وتل أبيب في المنطقة.

لكن الساسة الإسرائيليين يسقط من تحليلاتهم وحساباتهم أن توسع وانتشار الحالة الثورية في المنطقة العربية، يمكن أن يؤدي لنتائج عكسية ضد خططهم، لأنها قد تقود إلى مواجهات شعبية بين إسرائيل والشعوب العربية، التي مازالت تحمل مواقف معادية لإسرائيل، خاصة بعد حرب 2006 وحرب 2008.

إن الحكومة الإسرائيلية الحالية أثبتت أنها حكومة فاشلة لا تصلح لإدارة شؤون البلاد في ظل التعقيدات والتطورات الراهنة، ولعل أبلغ دليل على ذلك هو انتقال عدوى الثورات إلى داخل إسرائيل التي تواجه اليوم مظاهرات احتجاجية واسعة ضد هذه الحكومة.

Email