شهدت العلاقات الروسية الأميركية تطوراً ملحوظاً خلال العقد الماضي، نحو التحسن وتقارب وجهات النظر والاتفاق حول قضايا حيوية، وزاد هذا التطور في عهد الرئيسين الشابين ديمتري ميدفيديف وباراك أوباما، واللذين لا يخفي كل منهما إعجابه بالآخر، بشكل يتجاوز حدود المجاملات.

وقد انعكس هذا الإعجاب والتقارب في خطوات عملية، في العديد من القرارات الدولية التي وافقت فيها موسكو جنباً إلى جنب مع واشنطن، بدءاً بالعقوبات ضد إيران ووصولاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1973 ضد ليبيا، كما تجاوبت موسكو بشكل كبير مع إدارة أوباما في توقيع اتفاق الحد من الأسلحة الاستراتيجية «سولت 3»، والذي اعتبره أوباما أكبر إنجاز لإدارته، واعتبره البعض مبرراً لحصوله على جائزة نوبل، رغم أنه حصل على الجائزة قبل توقيع الاتفاق.

وتطورت العلاقات بشكل جيد بين البلدين في المجالات الاستراتيجية التي كانت من قبل محظورة مشاركة البلدين فيها، فقد وافقت موسكو على منح قوات التحالف الدولي في أفغانستان حق الترانزيت لمعداتها وأفرادها عبر الأراضي الروسية.

وأكثر من ذلك شاركت القوات العسكرية الروسية قرينتها الأميركية في عملية مكافحة المخدرات داخل الأراضي الأفغانية، وأخيراً منذ أيام قليلة أجريت المناورات العسكرية المشتركة بين قوات الطيران الروسية والأميركية.

للتدريب المشترك على مكافحة العمليات الإرهابية، وهذا في حد ذاته تطور غير عادي، بدأ لأول مرة في أغسطس من العام الماضي ومستمر بنجاح حتى الآن، ولم يكن أحد يصدق أن هذا يمكن أن يحدث بين البلدين اللذين اعتادا إخفاء كافة التفاصيل العسكرية عن بعضهما.

ولا يمضي شهر واحد منذ تولي إدارة الرئيس أوباما الحكم في البيت الأبيض، دون أن يصدر تصريح عنه حول تطور العلاقات مع روسيا.

 ورغم هذا كله لم تتوقف العمليات والحملات العدائية لروسيا في واشنطن على أعلى المستويات، لدرجة أن الصحف في البلدين كتبت أكثر من مرة أن العلاقات تتحسن بين الرؤساء فقط، حتى أن صحيفة «واشنطن تايمز» كتبت أن «أوباما هو المسؤول الأميركي الوحيد الذي يؤيد تحسن العلاقات الأميركية الروسية».

وليس الإعلام الأميركي فقط هو الذي يهاجم روسيا، بل جهات رسمية وعلى أعلى مستوى، ولا ينسى الروس تصريح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو عام 2009، الذي قال فيه «إن دولة روسيا لن تعيش أكثر من خمس عشرة سنة قادمة، ثم تنهار كما انهار الاتحاد السوفييتي».

وأمام العداء الصريح لنائب الرئيس الأميركي لروسيا، أعلنت موسكو جو بايدن شخصاً غير مرغوب فيه وممنوعاً من زيارة روسيا، ورغم هذا وأمام إلحاح من الرئيس أوباما وتراجع من بايدن عن مواقفه، تسامحت موسكو واستقبلته في زيارة رسمية في مارس الماضي، لكن رغم هذا لم تتوقف حملات العداء الأميركية ضد روسيا، وبشكل وصفه البعض بأنه يتجاوز حتى حدود الحرب الباردة.

فقد دخلت بارجة عسكرية أميركية ميناء أوديسا الأوكراني على البحر الأسود، حاملة صواريخ اعتراضية تابعة لنظام الدفاع المضاد للصواريخ، الذي تسعى واشنطن لوضعه في بعض الدول الأوروبية بالقرب من الحدود الروسية، هذا النظام الذي تؤكد روسيا أنه لا يستهدف سوى قواعد صواريخها الهجومية.

كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في الأيام الماضية، قائمة سوداء لموظفين ومواطنين روس يحظر عليهم دخول الولايات المتحدة، زعماً بأن هؤلاء الموظفين الروس ارتكبوا داخل روسيا أعمالاً إجرامية، ضد مسؤول روسي معارض لموسكو وموالٍ لواشنطن اسمه «ماغنيتسكي»، أدت إلى وفاته أثناء التحقيق معه في أحد سجون روسيا، رغم أن الحكومة الروسية فتحت تحقيقاً موسعاً حول ملابسات وفاة ماغنيتسكي الذي ثبت أنه كان يعاني من مرض حاد في قلبه.

وفي مطلع أغسطس الجاري، أعلن مجلس الشيوخ الأميركي روسيا دولة محتلة لأراضي جمهورية جورجيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، رغم أن الأوروبيين أنفسهم اعترفوا بأن جورجيا هي التي اعتدت على أراضي أوسيتيا الجنوبية في أغسطس عام 2008 وقتلت المئات من النساء والأطفال، وأن روسيا قامت بواجبها الدفاعي عن الجمهورية الصغيرة المستقلة عن جورجيا هي وأبخازيا. الحملات الهجومية الأميركية ضد روسيا ولتشويه سمعتها مستمرة.

ولا توجد في الولايات المتحدة صحيفة ولا وسيلة إعلامية واحدة تتحدث عن روسيا بشكل إيجابي، وكأن أوباما بالفعل هو الوحيد وسط هذا المحيط الأميركي، الذي ينظر لروسيا بشكل إيجابي ويتفاءل بتحسن العلاقات معها.

لا شك أن الرئيس أوباما ليس وحده هناك، بل يمكن القول بلا مبالغة إنه يمثل بالفعل الرأي العام الأميركي الذي لا يرى في روسيا عدوا لأميركا، ولكن هناك البعض المستفيد من تصعيد حملات العداء مع روسيا، بهدف جعلها العدو الدائم القوي الذي يحلم بتحطيم الإمبراطورية الأميركية.

وهذا في حد ذاته هدف رئيسي لأصحاب المصالح الخاصة من تجار الحروب، الذين أغرقوا الولايات المتحدة في مستنقع الديون الذي يكاد يخنقها ويقضي عليها.