فوبيا الإسلام والعنصرية المنظمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، تعرضت وتتعرض الجالية المسلمة المقيمة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لأنواع وأشكال مختلفة من الممارسات والمضايقات التي تقوم بها أجهزة أمنية عديدة ومختلفة. فهناك درجة كبيرة من الإهانة والتعدي على الحريات الفردية وعلى حقوق الإنسان، بسبب ودون سبب، ومن دون محاكمة ولا سابق إنذار. والنتيجة الحتمية لكل هذا هي انتشار الحقد والعنصرية والكراهية ضد الإسلام والمسلمين.

والمشكل هنا يُطرح على مستويين، الأول هو الصورة المشوهة والمضللة للإسلام، والتي تفننت في صناعتها جهات عدة من خلال وسائل الإعلام والصناعات الثقافية المختلفة. أما المستوى الثاني، فهو الضعف الكبير والغياب شبه التام للمخرجات الإعلامية والصناعات الثقافية العربية والإسلامية، التي تقدم الإسلام للآخر وتسوّق صورة حضارة الإسلام والمسلمين على حقيقتها. كما يضاف إلى كل هذا، فشل وسائل الإعلام العربية وقادة الرأي في احتواء الصور النمطية والآراء المشوهة والمضللة عن الإسلام والمسلمين، وتفنيدها بالأدلة والحجج والبراهين والمنطق.

كشفت أحداث 11 سبتمبر عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس ووالرأي العام، حيث أصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر، وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتخيط صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات، تجعل من العربي ومن المسلم معاديا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية.

والغريب أن الآلة الإعلامية الغربية لم تطرح أسئلة جوهرية في تعاملها مع أحداث نيويورك وواشنطن، أسئلة مهمة ومحورية لو طرحت ستساعد من دون شك على اكتمال الصورة الحقيقية لخلفيات الأحداث وتداعياتها. لماذا ضرب الإرهاب أميركا دون سواها؟

 لماذا لم تتحرك الآلة الأميركية الغربية عندما كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا تؤوي إرهابيين من مختلف الدول والجنسيات، تحت ستار اللجوء السياسي وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغير ذلك..؟ لماذا لم تتفاعل الآلة الإعلامية الغربية مع إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني يومياً على الشعب الفلسطيني؟

وهل تستطيع أميركا اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه بالعنف والقتل، وفرض وجهة نظرها على باقي شعوب العالم كما يحلو لها؟ هل تطرقت الآلة الإعلامية الغربية للأسباب الحقيقية للإرهاب؟ هل تساءلت الآلة الإعلامية الغربية عن من هو الذي صنع ابن لادن والأفغان العرب و«المجاهدين» والجماعات الإسلامية المسلحة و«الأمراء» وغيرهم؟

وهل هؤلاء يمثلون الإسلام والمسلمين؟ هل عالجت وسائل الإعلام التناقضات القائمة على مستوى العلاقات الدولية وعلى مستوى منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. والقائمة قد تطول؟

كيف تجرؤ هذه الآلة على تفريغ قضايا وأحداث ومشاكل من محتواها الحقيقي ومن جوهرها، وتركز على الشكل والقشور فقط؟ إلى متى تبقى وسائل الإعلام العالمية تتلاعب بعقول الناس وبمصيرهم؟ إلى متى تبقى هذه الوسائل تفبرك الواقع وتزيفه وتبث الرعب والخوف في نفوس البشر في مختلف أنحاء المعمورة؟

لقد أكد معظم الدراسات والأبحاث العلمية، أن وسائل الإعلام الغربية، وخاصة الأميركية، من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب الدراسية، ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام والعرب في مختلف المجالات والمضامين. وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة، ولحقد على الأمة العربية، ولجهل تاريخ العرب وحضارتهم وثقافتهم، وأخيراً للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام.

ومن المشاكل التي تواجه التغطية الإعلامية الغربية لشؤون العرب، وجود التباين الثقافي بين العرب والغرب. فالقائم بالاتصال الغربي الذي يغطي منطقة الشرق الأوسط أو المغرب العربي، لا يعرف الكثير عن تاريخ وثقافة العرب. لكن أكثر من هذا أنه يستند إلى أفكاره المسبقة وقيم وأحكام وتقاليد نظامه.

في تناول أحوال العرب والمجتمع العربي. والكثير من هؤلاء الصحافيين الذين يرسلون إلى الشرق الأوسط، لا يعرفون اللغة العربية ولا الدين الإسلامي ولا التاريخ والحضارة الإسلامية. لقد صفق الغرب كثيراً لتسليمة نسرين وسلمان رشدي عندما شوها الإسلام، رغم أن الكاتبين يجهلان تمام الجهل الدين الإسلامي والسيرة النبوية.

إن التشويه والتضليل والتلاعب في تغطية العرب من قبل وسائل الإعلام الغربية، يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام؛ وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار القطبية الثنائية، حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتحديه للثقافات والديانات المختلفة في العالم، وخاصة الإسلام.

وجاء مصطلح «الإسلاموفوبيا» للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح الإسلام يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأميركا. وأكدت دراسات تحليل المضمون، أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الأميركية، أسهمت بدورها في إيجاد فكر باطني معادٍ لكل ما هو إسلامي أو عربي، وكانت النتيجة أن الأميركي يتعرض منذ نعومة أظفاره، إلى جملة من الصور النمطية والأفكار المضللة والمزيفة، والتشويه المنهجي ضد العرب والمسلمين.

في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للأوضاع العربية من قبل الإعلام الغربي، نلاحظ أزمة في الإعلام العربي في عملية تسويق صورة إيجابية وصورة تصحح هذا الخلل. فالإعلام العربي لم يحدد استراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ، وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي.

فالصناعات الثقافية العربية ما زالت ضعيفة جداً لم ترق إلى العالمية ولم تعرف كيف توّظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخر. والإعلام العربي كما لا يخفى على أحد، يتخبط في دوامة من المشاكل والضغوط قد لا تؤهله للقيام بدور فعّال على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن الأنظمة العربية ركّزت جهودها في استخدام الإعلام كوسيلة للسلطة وتثبيت الشرعية والتحكم والمراقبة، ولم تول أي اهتمام للبعد الخارجي أو الدولي الذي من المفترض أن يكون من المهام الاستراتيجية للنظام الإعلامي في كل دولة عربية.

من خلال ما تقدم، نخلص إلى القول إنه حان الأوان بالنسبة للمسلمين وللعرب، أن يستثمروا وأن يخصصوا ميزانيات معتبرة للصناعات الإعلامية والثقافية. فالصورة النمطية والمشوّهة والمضللة لا تصحح إلا من خلال تقديم البديل، وتقديم المعطيات والبراهين والأدلة المقنعة. أضف إلى ذلك أن السفارات العربية والمراكز الثقافية والبعثات المختلفة في الغرب، بإمكانها أن تسهم إلى حد كبير في تسويق صورة إيجابية حقيقية وواقعية عن الإسلام والمسلمين والعرب وحضارتهم وتاريخهم، من شأنها أن تصحح الأفكار المسبقة والصور المزيفة والتشويه المنهجي للإسلام.

المسألة إذاً، هي معركة صور وأفكار ورأي عام، وعلى المسلمين والعرب أن يفندوا الأكاذيب والأساطير والحملات الدعائية، بالأدلة والوقائع والبيانات، وأن يخوضوا هذه المعركة بكل اقتدار ومنهجية وفاعلية.

 

 

Email