أميركا لا تحارب الإرهاب في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن خطط أوباما الخاصة بالتقرب للناخب الأميركي تتضمن جزءا لإبداء حسن نوايا البيت الأبيض، وجزء أخر غير معلن يستهدف مصالح الاحتكارات الأميركية. فمنذ أسابيع أعلن الرئيس الأميركي أنه سيتم إجلاء القوات الأميركية بشكل تدريجي، متوازي مع تسليم أجهزة الأمن الأفغانية ووحدات الجيش الأفغاني مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار في البلاد.

 وذلك بهدف تخفيف الأعباء عن الموازنات الحكومية الأميركية التي تصرف سنويا على التواجد العسكري في أفغانستان نحو 110 مليارات دولار سنويا في وقت تبحث الحكومة الأميركية عن سبل لسد العجز الضخم في ميزانيتها. وأكد أوباما آنذاك أن واشنطن ستشارك بفاعلية في كافة المبادرات الهادفة إلى تحقيق المصالحة بين فئات الشعب الأفغاني بما فيها حركة «طالبان».

وقد بدأت عودة القوات الأميركية في بداية الشهر الماضي، بحسب خطة أوباما الهادفة إلى تقليص التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان خلال السنوات الثلاث القادمة، ويبلغ عدد أفراد الجيش الأميركي حوالي 100 ألف من أصل 140 ألف جندي وضابط أجنبي منتشرين في أفغانستان حاليا ضمن قوات التحالف الدولي.

وسيتقلص عدد الأميركيين بمقدار الثلث، أي بحوالي 33 ألفا، بحلول صيف 2012 وفق ما أعلنه الرئيس باراك أوباما. وقد بدأت عودة القوات الأميركية في بداية الشهر الماضي، باجلاء كتيبة أميركية ضمت 650 جنديا وضابطا، كانت ترابط في ولاية برفان شمال شرق كابول. ومن المفترض أن يغادر حوالي 800 جندي أميركي آخر أفغانستان بحلول نهاية الشهر الجاري وعشرة آلاف آخرين قبل نهاية العام2011،بحسب خطة أوباما الهادفة إلى تقليص التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان خلال السنوات الثلاث القادمة.

لكن مسار وتطور الأحداث في أفغانستان يبدو وكأنه يعرقل تنفيذ خطط أوباما، حيث بدأت تشهد أفغانستان موجة جديدة من أعمال العنف الدامية، طالت كبار المسؤولين الأفغان في ولاية قندهار، ما أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية الأميركية حول آفاق توسع العمليات الإرهابية رغم نجاح جهاز الاستخبارات الأميركية في تصفية أسامة بن لادن، والقضاء على تنظيم القاعدة، وشكك العديد من المتخصصين في الشأن الأفغاني في دقة تصريحات وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا خلال زيارته إلى أفغانستان، والتي اعتبر فيها أن الولايات المتحدة «على وشك هزيمة القاعدة».

فيما أعرب العديد من الباحثين الروس المتخصصين في الشأن الأفغاني عن قناعتهم بأن التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي الأفغانية، يضم قوات حلف (الناتو) التي تترأس القوات الدولية لحفظ الأمن في أفغانستان والقوات الأميركية. وبحسب هؤلاء الباحثين انسحاب كل من قوات (الناتو) أو القوات الأميركية لا يعد تصرفا ناجحا، ليس فقط بسبب الخسائر المادية والبشرية التي تكبدها كل منهما، وإنما أيضاً لأن هذين التشكيلين لم يتمكنا من إحلال الأمن في البلاد.

ومن الواضح أن حلف الناتو يريد سحب قواته تجنبا لمزيد من الخسائر البشرية والمادية، كما أن الحلف لا يرى جدوى من الاستمرار في العمليات العسكرية في أفغانستان، حيث إن هذه العمليات لم تحقق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع، ولم تؤد إلى تحسن الحالة الأمنية في أفغانستان، ناهيك عن أن حلف الناتو كهيكل أمني وعسكري غربي تعرض لأزمات حادة بسبب العمليات في أفغانستان.

وتعرض لحالات خلافات وانقسامات بين دول الحلف الكبيرة التي انقسمت لجبهتين، أحدهما ترفض الدخول في العمليات القتالية، والأخرى مصممة على القتال، وقد وصف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت جيتس وضع الحلف في أفغانستان بأنه يشكل تهديدا واقعيا على بنية الحلف وبقائه كمؤسسة عسكرية عالمية، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فالأمر يختلف كثيرا، حيث يرى الخبراء الروس أن واشنطن لن تترك افغانستان.

وإنما قد تسحب أجزاء كبيرة من قواتها، مع الاحتفاظ بقاعدة عسكرية في قندهار، كما حدث في العراق. ذلك لأن قاعدة قندهار الأميركية ستكون القاعدة الأساسية وربما الوحيدة في وسط آسيا، بعد أن أجبرت القوات الأميركية على مغادرة قاعدتها في أوزبكستان، وتخضع سنويا لابتزاز السلطات القرغيزية، التي يرتبط قرارها بحجم العائد المالي من قاعدة ماناس وبموقف موسكو من تمديد عقد ايجار هذه القاعدة.

التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان ليس هدفه الرئيسي مكافحة الإرهاب وإحلال الأمن، وإنما أهدافه الأساسية الغير معلنة هي إيجاد موقع للنفوذ العسكري الأميركي في وسط أسيا بالقرب من روسيا والصين، وليس لدى واشنطن موقع أخر في هذه المنطقة، ولهذا فليس من المتوقع أن تغادر القوات الأميركية أفغانستان في المستقبل المنظور.

Email