منذ اندلاع الثورات الشعبية في الدول العربية مطلع العام الجاري، وإسرائيل تجلس في مقعد المشاهد والمراقب بشغف واهتمام، تترقب تطور الأحداث في كل بلد عربي على حدة.

ولم يكن ترقب الإسرائيليين للأحداث في الدول العربية، من منطلق القلق والخوف من وصول المد الثوري الشعبي إلى الشارع الإسرائيلي، فهذا أمر لم يكن ليخطر على بال أحد، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، بل كان الترقب والمتابعة للأحداث خشية من تأثيرها وتداعياتها على إسرائيل نفسها وعلى علاقاتها بجيرانها العرب.

وقد عاشت إسرائيل منذ تأسيسها أكثر من نصف قرن من الزمان، تعرضت فيه لتهديدات ومشاكل وأحداث واضطرابات وحروب وأشياء كثيرة اعتادت عليها المؤسسات الحاكمة في إسرائيل، واعتادت على التعامل معها من منطلق الجهوزية الأمنية الدائمة على أعلى مستوى، حيث تعتبر أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية من أقوى الأجهزة في العالم وأكثرها في الإمكانيات الحديثة، وذلك بحكم طبيعة وجود إسرائيل التي زرعت بالقوة على أرض شعب آخر ما زال يطالب بحقه في الأرض والوطن، كما أنها زرعت وسط محيط من الأعداء الذين يتمنون انهيارها ودمارها دائما، بالإضافة إلى وجود أكثر من مليونين من الفلسطينيين العرب يعيشون داخل إسرائيل، وتتعامل أجهزة الأمن الإسرائيلية مع كل فرد منهم على أنه قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، الأمر الذي يستدعي أعلى جهوزية في المستوى الأمني.

رغم هذا كله، جاء الخطر والقلق والاضطراب للنظام الحاكم في إسرائيل من حيث لا يتوقع على الإطلاق، وبشكل وحجم يهدد بالفعل الأمن الداخلي للدولة، بغض النظر عن أن مصدر الخطر والاضطراب في هذه المرة، هو الشعب الإسرائيلي نفسه الذي أصابته عدوى المد الثوري الشعبي في الدول العربية المجاورة، فانتابه الإحساس فجأة بأنه شعب مثل كل الشعوب، من حقه أن يعيش حياة هادئة ومستقرة على المستوى الفردي والعائلي، وبدأ يتنبه للسياسات الفاشلة والمخادعة التي تحكمه على مدى عقود طويلة، هذه السياسات التي كانت تسعى دائما لإقناع الشعب الإسرائيلي بأنه دائما في خطر، وأن هناك أعداء دائمين يترصدون له ويسعون للقضاء عليه.

وبالتالي فعليه أن يقبل من حكومات بلاده المتعاقبة أي سياسات مقابل أن توفر له الأمن، فقط الأمن قبل كل شيء. ولهذا ظل الأمن الإسرائيلي على مدى وجود هذه الدولة، يحتل البند الأول في أجندات كافة الحكومات المتعاقبة هناك، وتحول هذا البند إلى وحش كبير يأكل سنويا أكثر من نصف ميزانية هذه الدولة الصغيرة، وذلك بالطبع على حساب العدالة الاجتماعية والخدمات والاقتصاد وكافة مناحي الحياة الأخرى.

ولكن، ماذا استجد على الشعب الإسرائيلي ودفعه للثورة؟

البعض يشير بأصابع الاتهام داخل إسرائيل إلى المهاجرين الروس، باعتبار أنهم الأكثر وعيا بالسياسة وسط المجتمع الإسرائيلي، وأنهم اعتادوا بحكم نشأتهم في ظل الاتحاد السوفييتي المنهار، على روح المعارضة والتظاهر ورفض سياسات الأنظمة الحاكمة، وهي المظاهر التي لا يعرفها سكان إسرائيل من اليهود الآخرين.

ويتذكر البعض الآن تحذيرات الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في سبتمبر العام الماضي، من خطر اليهود الروس على المجتمع الإسرائيلي، حيث قال كلينتون: "إسرائيل قد تغيرت بسبب هجرة الروس إليها، وهناك 16% من الإسرائيليين الآن يتحدثون الروسية، الأمر الذي يعد مشكلة حقيقية".

وعلى الرغم من أن كلينتون كان يقصد بالتحديد موقف اليهود الروس المتشدد من السلام مع الفلسطينيين، إلا أن البعض يفسر الأمر على أنه وجهة نظر عامة حول تنامي نشاط هؤلاء الروس داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يحاول البعض الإيحاء بأن المهاجرين الروس متشبعون بالأيديولوجية الشيوعية التي تحرض دائما على الثورات والاضطرابات، ويصل بعض المحللين اليمينيين في إسرائيل، وحتى في واشنطن، إلى حد التصور بأن المهاجرين الروس بتعدادهم الكبير، يسعون في المستقبل إلى الاستيلاء على الحكم في الدولة الإسرائيلية، وتحويلها من الانتماء إلى واشنطن والغرب إلى الولاء لموسكو.

ويبررون وجهة النظر هذه بمواقف وزير الخارجية الإسرائيلي (المهاجر السوفييتي) أفيغدور ليبرمان، المؤيدة بشدة لتطوير العلاقات بين روسيا وإسرائيل إلى المستوى الاستراتيجي، لدرجة أن بعض الصحف الأمريكية هاجمت ليبرمان واتهمته بالعمالة لحساب جهاز الاستخبارات الروسي، وكتبت صحيفة الواشنطن بوست أن الكثيرين من المهاجرين السوفييت والروس، هم في الواقع عملاء لموسكو ويشكلون خطرا على مستقبل إسرائيل.

هذه المقولات تجد رواجا من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف، والمتمسك بالنظرية الأمنية وأولويتها على كل شيء في الدولة الإسرائيلية، حتى على العدالة الاجتماعية ومطالب الشعب الإسرائيلي.

 ويذكر هنا أنه أثناء المظاهرات التي كانت قد اندلعت في إسرائيل عام 2009، كان معظم المتظاهرين المعتقلين فيها من المهاجرين الروس والسوفييت، وكانت التحقيقات تجرى معهم على أنهم أصحاب توجهات يسارية وشيوعية.

واقع الأمر أن المجتمع الإسرائيلي يفتقد بالفعل العدالة الاجتماعية، وأن الحكومات المتعاقبة هناك لا تعير مطالب الشعب ومصالحه المعيشية أي اهتمام، وذلك بحكم سيطرة اليمين المتطرف على هذه الحكومات، هذا اليمين الذي يحرص على توجيه الجزء الأكبر من اقتصاد الدولة للأمن والعسكرة، ولا يترك للشعب سوى الفتات.